الآيات 91-93
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿91﴾ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴿92﴾ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿93﴾
اللغة:
النصح إخلاص العمل من الغش والحمل إعطاء المركوب من فرس أو بعير أو غير ذلك تقول حمله يحمله حملا إذا أعطاه ما يحمل عليه قال:
ألا فتى عنده خفان يحملني
عليهما إنني شيخ على سفر والفيض الجري عن امتلاء من قولهم فاض الإناء بما فيه والحزن ألم في القلب بفوت أمر مأخوذ من حزن الأرض وهي الأرض الغليظة المسلك.
الإعراب:
حزنا نصب لأنه مفعول له أي يبكون للحزن ولا يجدوا منصوب بأن وموضع ﴿ألا يجدوا﴾ نصب تقديره لأن لا يجدوا حذف الجار فوصل الفعل.
النزول:
قيل إن الآية الأولى نزلت في عبد الله بن زائدة وهو ابن أم مكتوم وكان ضرير البصر جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا نبي الله إني شيخ ضرير خفيف الحال نحيف الجسم وليس لي قائد فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله الآية عن الضحاك وقيل نزلت في عائد بن عمرو وأصحابه عن قتادة والآية الثانية نزلت في البكائين وهم سبعة نفر منهم عبد الرحمن بن كعب وعتبة بن زيد وعمرو بن غنمة وهؤلاء من بني النجار وسالم بن عمير وهرم بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن عوف وعبد الله بن معقل من مزينة جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا رسول الله احملنا فإنه ليس لنا ما نخرج عليه فقال لا أجد ما أحملكم عليه عن أبي حمزة الثمالي وقيل نزلت في سبعة نفر من قبائل شتى أتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا له احملنا على الخفاف والبغال عن محمد بن كعب وابن إسحاق وقيل كانوا جماعة من مزينة عن مجاهد وقيل كانوا سبعة من فقراء الأنصار فلما بكوا حمل عثمان منهم رجلين والعباس بن عبد المطلب رجلين ويامين بن كعب النضري ثلاثة عن الواقدي قال وكان الناس بتبوك مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثلاثين ألفا منهم عشرة آلاف فارس.
المعنى:
ثم ذكر سبحانه أهل العذر فقال ﴿ليس على الضعفاء﴾ وهم الذين قوتهم ناقصة بالزمانة والعجز عن ابن عباس وقيل هم الذين لا يقدرون على الخروج ﴿ولا على المرضى﴾ وهم أصحاب العلل المانعة من الخروج ﴿ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون﴾ يعني من ليست معه نفقة الخروج وآلة السفر ﴿حرج﴾ أي ضيق وجناح في التخلف وترك الخروج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿إذا نصحوا لله ورسوله﴾ بأن يخلصوا العمل من الغش ثم قال سبحانه ﴿ما على المحسنين من سبيل﴾ أي ليس على من فعل الحسن الجميل في التخلف عن الجهاد طريق للتفريع في الدنيا والعذاب في الآخرة وقيل هو عام في كل محسن والإحسان هو إيصال النفع إلى الغير لينتفع به من تعريه من وجوه القبح ويصح أن يحسن الإنسان إلى نفسه ويحمد على ذلك وهو إذا فعل الأفعال الجميلة التي يستحق بها المدح والثواب ﴿والله غفور﴾ أي ساتر على ذوي الأعذار بقبول العذر منهم ﴿رحيم﴾ بهم لا يلزمهم ما فوق طاقتهم ثم عطف عليه فقال ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم﴾ أي ولا على الذين إذا جاءوك يسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك إلى الجهاد إذ ليس معهم من الأموال والظهر ما يمكنهم الخروج به في سبيل الله ﴿قلت لا أجد ما أحملكم عليه﴾ أي لا أجد مركبا تركبونه ولا ما أسوي به أمركم ﴿تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون﴾ أي رجعوا عنك وأعينهم تسيل بالدمع لحزنهم أن لا يجدوا ما يركبونه من الدواب وينفقونه في الطريق ليخرجوا معكم ولحرصهم على الخروج المعنى وليس على هؤلاء أيضا حرج في التخلف عن الجهاد وليس عليهم سبيل للذم والعقاب ﴿إنما السبيل﴾ والطريق بالعقاب والحرج ﴿على الذين يستأذنونك وهم أغنياء﴾ أي يطلبون الإذن منك يا محمد في المقام وهم مع ذلك أغنياء متمكنون من الجهاد في سبيل الله ﴿رضوا بأن يكونوا مع الخوالف﴾ من النساء والصبيان ومن لا حراك به ﴿وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون﴾ قد تقدم بيانه.