الآيات 79-80

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿79﴾ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿80﴾

اللغة:

المطوع أصله المتطوع أدغمت التاء في الطاء لأنها من مخرجها والطاء أفضل منها بالاستعلاء والإطباق والتطوع كل فعل يستحق المدح بفعله ولا يستحق الذم بتركه ونظيره النافلة والفضيلة والجهد والجهد بمعنى وهو الحمل على النفس بما يشق وقيل بينهما فرق والجهد بالفتح في العمل وبالضم في القوت عن الشعبي وقيل الجهد بالفتح المشقة وبالضم الطاعة عن القتيبي.

الإعراب:

يجوز أن يكون موضع ﴿الذين يلمزون﴾ جرا بأن يكون بدلا من الهاء والميم في قوله ﴿ومنهم من عاهد الله﴾ ويحتمل أن يكون رفعا على الابتداء وخبره ﴿سخر الله منهم﴾ وهذا أولى وقوله ﴿في الصدقات﴾ من صلة يلمزون ولا يكون من صلة المطوعين لأنه فضل بينهما قوله ﴿من المؤمنين﴾ و﴿الذين لا يجدون﴾ عطف على ﴿الذين يلمزون﴾.

المعنى:

ثم وصفهم الله بصفة أخرى فقال ﴿الذين يلمزون﴾ أي يعيبون ﴿المطوعين﴾ المتطوعين بالصدقة ﴿من المؤمنين﴾ ويطعنون عليهم ﴿في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم﴾ أي ويعيبون الذين لا يجدون إلا طاقتهم فيتصدقون بالقليل قيل أتاه عبد الرحمن بن عوف بصرة من دراهم تملأ الكف وأتاه عقبة بن زيد الحارثي بصاع من تمر وقال يا رسول الله عملت في النخل بصاعين فصاعا تركته لأهلي وصاعا أقرضته ربي وجاء زيد بن أسلم بصدقة فقال معتب بن قشير وعبد الله بن نبتل إن عبد الرحمن رجل يحب الرياء ويبتغي الذكر بذلك وإن الله غني عن الصاع من التمر فعابوا المكثر بالرياء والمقل بالإقلال ﴿فيسخرون منهم﴾ أي فيستهزءون منهم ﴿سخر الله منهم﴾ أي جازاهم جزاء سخريتهم حيث صاروا إلى النار ﴿ولهم عذاب أليم﴾ أي موجع مؤلم وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سئل فقيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال جهد المقل ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم﴾ صيغته صيغة الأمر والمراد به المبالغة في الإياس من المغفرة بأنه لو طلبها طلب المأمور بها أو تركها ترك المنهي عنها لكان ذلك سواء في أن الله تعالى لا يفعلها كما قال سبحانه في موضع آخر سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ﴿إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾ الوجه في تعليق الاستغفار بسبعين مرة المبالغة لا العدد المخصوص ويجري ذلك مجرى قول القائل لو قلت لي ألف مرة ما قبلت والمراد إني لا أقبل منك فكذلك الآية والمراد بذلك فيها نفي الغفران جملة وقيل إن العرب تبالغ بالسبعة والسبعين ولهذا قيل للأسد السبع لأنهم تأولوا فيه لقوته أنها ضوعفت له سبع مرات وأما ما ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال والله لأزيدن عن السبعين فإنه خبر واحد لا يعول عليه ولا يتضمن أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يستغفر للكفار وذلك غير جائز بالإجماع وقد روي أنه قال لو علمت أنه لو زدت على السبعين مرة غفر لهم لفعلت ويحتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يرجو أن يكون لهم لطف يصلحون به فعزم على الاستغفار لهم فلما بين الله عز اسمه أنه ليس لهم لطف ترك ذلك ويحتمل أن يكون قد استغفر لهم قبل أن يعلم بكفرهم ونفاقهم ويحتمل أن يكون قد استغفر لهم قبل أن يخبر بأن الكافر لا يغفر له أو قبل أن يمنع منه ويجوز أن يكون استغفاره لهم واقعا بشرط التوبة من الكفر فمنعه الله منه وأخبره بأنهم لا يؤمنون أبدا فلا فائدة في الاستغفار لهم والله أعلم بحقيقة الأمر ﴿ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله﴾ معناه أن حرمان المغفرة لهم بكفرهم بالله ورسوله ﴿والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾ مر معناه.