الآيات 76-80

ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴿76﴾ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴿77﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴿78﴾ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿79﴾ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى كِ تُحْمَلُونَ ﴿80﴾

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار إنه يقال لهم ﴿أدخلوا أبواب جهنم﴾ وهي سبعة أبواب ﴿خالدين فيها﴾ أي مؤبدين فيها لا انقطاع لكربكم فيها ولا نهاية لعقابكم وقيل إنما جعل لجهنم أبواب كما جعل لها دركات تشبيها بما يتصور الإنسان في الدنيا من المطابق والسجون والمطامير فإن ذلك أهول وأعظم في الزجر ﴿فبئس مثوى المتكبرين﴾ أي بئس مقام الذين تكبروا عن عبادة الله تعالى وتجبروا عن الانقياد له وإنما أطلق عليه اسم بئس وإن كان حسنا لأن الطبع ينفر عنه كما ينفر العقل عن القبيح فحسن لهذه العلة اسم بئس عليه ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فاصبر﴾ يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم إياك ومعناه اثبت على الحق فسماه صبرا للمشقة التي تلحق به كما تلحق بتجرع المر ولذلك لا يوصف أهل الجنة بالصبر وإن وصفوا بالثبات على الحق وإن كان في الوصف به في الدنيا فضل ولكنهم يوصفون بالحلم لأنه مدح ليس فيه صفة نقص ﴿إن وعد الله حق﴾ معناه أن ما وعد الله به المؤمنين على الصبر من الثواب في الجنة حق لا شك فيه بل هو كائن لا محالة وقيل إن وعد الله بالنصر لأنبيائه والانتقام من أعدائه حق وصدق لا خلف فيه ﴿فإما نرينك بعض الذي نعدهم﴾ من العذاب في حياتك وإنما قال بعض الذي نعدهم لأن المعجل من عذابهم في الدنيا هو بعض ما يستحقونه ﴿أو نتوفينك﴾ قبل أن يحل بهم ذلك ﴿فإلينا يرجعون﴾ يوم القيامة فتفعل بهم ما يستحقونه من العقاب ولا يفوتوننا ثم زاد سبحانه في تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله ﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك﴾ يا محمد ﴿منهم من قصصنا عليك﴾ قصصهم وأخبارهم ﴿ومنهم من لم نقصص عليك﴾ أخبارهم وقيل معناه منهم من تلونا عليك ذكره ومنهم من لم نتل عليك ذكره وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته واختلفت الأخبار في عدد الأنبياء فروي في بعضها أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وفي بعضها أن عددهم ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من غيرهم ﴿وما كان لرسول أن يأتي بآية﴾ أي بمعجزة ودلالة ﴿إلا بإذن الله﴾ وأمره والمعنى إن الإتيان بالمعجزات ليس إلى الرسول ولكنه إلى الله تعالى يأتي بها على وجه المصلحة ﴿فإذا جاء أمر الله﴾ وهو القيامة ﴿قضي بالحق﴾ بين المسلمين والكفار والأبرار والفجار ﴿وخسر هنالك﴾ عند ذلك ﴿المبطلون﴾ لأنهم يخسرون الجنة ويحصلون في النار بدلا منها وذلك هو الخسران المبين والمبطل صاحب الباطل ثم عدد سبحانه نعمه على خلقه فقال ﴿الله الذي جعل لكم الأنعام﴾ من الإبل والبقر والغنم ﴿لتركبوا منها﴾ أي لتنتفعوا بركوبها ﴿ومنها تأكلون﴾ يعني أن بعضها للركوب والأكل كالإبل والبقر وبعضها للأكل كالأغنام وقيل المراد بالأنعام هاهنا الإبل خاصة لأنها التي تركب ويحمل عليها في أكثر العادات واللام في قوله ﴿لتركبوا﴾ لام الغرض وإذا كان الله تعالى خلق هذه الأنعام وأراد أن ينتفع خلقه بها وكان جل جلاله لا يريد القبيح ولا المباح فلا بد أن يكون أراد انتفاعهم بها على وجه القربة إليه والطاعة له ﴿ولكم فيها منافع﴾ يعني من جهة ألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها ﴿ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم﴾ بأن تركبوها وتبلغوا المواضع التي تقصدونها بحوائجكم ﴿وعليها﴾ أي وعلى الأنعام وهي الإبل هنا ﴿وعلى الفلك﴾ أي وعلى السفن ﴿تحملون﴾ يعني على الإبل في البر وعلى الفلك في البحر تحملون في الأسفار علم الله سبحانه أنا نحتاج إلى أن نسافر في البر والبحر فخلق لنا مركبا للبر ومركبا للبحر.