الآيات 71-75

إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ﴿71﴾ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ﴿72﴾ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿73﴾ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴿74﴾ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ﴿75﴾

القراءة:

قرأ ابن مسعود وابن عباس والسلاسل بفتح اللام يسحبون.

الحجة:

قال ابن جني تقديره إذ الأغلال في أعناقهم ويسحبون السلاسل فعطف الجملة من الفعل والفاعل على الجملة التي من المبتدأ والخبر كما قد عودل إحداهما بالأخرى نحو قوله:

أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد

أموف بادراع بن طيبة أم تذم

أي أأنت موف بها أم تذم فقابل بالمبتدأ والخبر التي من الفعل الفاعل الجاري مجرى الفاعل.

اللغة:

الأغلال جمع غل وهو طوق يدخل في العنق للذل والألم وأصله الدخول يقال أنغل العنق في الشيء إذا دخل فيه والغلول الخيانة لأنها تصير كالغل في عنق صاحبها السلاسل جمع سلسلة وهي الحلق منتظمة في جهة الطول مستمرة والسحب جر الشيء على الأرض هذا أصله والسجر أصله إلقاء الحطب في معظم النار كالتنور الذي يسجر بالوقود والفرح والبطر والأشر نظائر والمرح شدة الفرح وفرس مروح أي نشيط قال:

ولا يثنى على الحدثان عرضي

ولا أرخي من المرح الأزارا

الإعراب:

يسحبون في موضع نصب على الحال تقديره مسحوبين على النار مسجونين فيها والعامل في إذ الأغلال قوله تعالى ﴿فسوف يعلمون﴾ إذا لم يوقف على يعلمون ووقف على السلاسل ومن وقف على يعلمون فالعامل في إذ يسحبون.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿إذ الأغلال في أعناقهم﴾ أي يعلمون وبال أمرهم في حال تكون الأغلال في أعناقهم ﴿والسلاسل يسحبون في الحميم﴾ أي يجرون في الماء الحار الذي قد انتهت حرارته ﴿ثم في النار يسجرون﴾ أي ثم يقذفون في النار ويلقون فيها وقيل معناه ثم يصيرون وقود النار عن مجاهد والمعنى توقد بهم النار ﴿ثم قيل لهم﴾ أي لهؤلاء الكفار إذا دخلوا النار على وجه التوبيخ ﴿أين ما كنتم تشركون من دون الله﴾ أي أين ما كنتم تزعمون أنها تنفع وتضر من أصنامكم التي عبدتموها ﴿قالوا ضلوا عنا﴾ أي ضاعوا عنا وهلكوا فلا نراهم ولا نقدر عليهم ثم يستدركون فيقولون ﴿بل لم نكن ندعو من قبل شيئا﴾ والمعنى لم نكن ندعو شيئا يستحق العبادة ولا ما ننتفع بعبادته عن الجبائي وقيل بل لم نكن ندعو شيئا ينفع ويضر ويسمع ويبصر قال أبو مسلم وهذا كما يقال لكل ما لا يغني شيئا هذا ليس بشيء لأن قولهم ضلوا عنا اعتراف بعبادتهم ولأن الآخرة دار إلجاء فهم ملجئون إلى ترك القبيح وقيل معناه ضاعت عباداتنا لهم فلم نكن نصنع شيئا إذ عبدناها كما يقول المتحسر ما فعلت شيئا ﴿كذلك يضل الله الكافرين﴾ معناه كما أضل الله أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بجميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشيء من أعمالهم وقيل يضل الله أعمالهم أي يبطلها عن الحسن وقيل يضل الكافرين عن طريق الجنة والثواب كما أضلهم عما اتخذوه إلها بأن صرفهم عن الطمع في نيل منفعة من جهتها عن الجبائي ﴿ذلكم﴾ العذاب الذي نزل بكم ﴿بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون﴾ قيد الفرح وأطلق المرح لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه وقد يكون بالباطل فيذم عليه والمرح لا يكون إلا باطلا ومعناه أن ما فعل بكم جزاء بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي بما كان يصيب أنبياء الله تعالى وأولياءه من المكاره ﴿وبما كنتم تمرحون﴾ أي تأشرون وتبطرون.