الآيات 36-40

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿36﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿37﴾ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿38﴾ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39﴾ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿40﴾

القراءة:

قرأ حفص ﴿فأطلع﴾ بالنصب والباقون بالرفع واختلافهم في ﴿صد عن السبيل﴾ وفي ﴿يدخلون الجنة﴾ قد تقدم ذكره.

الحجة:

من رفع فأطلع فعلى معنى لعلي أبلغ ولعلي أطلع ومثله قوله لعله يزكى أو يذكر وليس بجواب ومن نصب جعله جوابا بالفاء لكلام غير موجب والمعنى إني إذا بلغت واطلعت ومما يقوي بناء الفعل للفاعل في صد قوله الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفي موضع آخر ويصدون عن سبيل الله فكذلك ﴿وصد عن السبيل﴾ ينبغي أن يكون الفعل فيه مبنيا للفاعل ومن ضم الصاد فلأن ما قبله مبني للمفعول به وهو قوله ﴿وكذلك زين لفرعون سوء عمله﴾.

اللغة:

الصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على عين الناظر وإن بعد وهو من التصريح بالأمر وهو إظهاره بأتم الإظهار والسبب كل ما يتوصل به إلى شيء يبعد عنك وجمعه الأسباب والتباب الخسار والهلاك بالانقطاع.

المعنى:

ثم بين سبحانه ما موه به فرعون على قومه لما وعظه المؤمن وخوفه من قتل موسى وانقطعت حجته بقوله ﴿وقال فرعون يا هامان﴾ وهو وزيره وصاحب أمره ﴿ابن لي صرحا﴾ أي قصرا مشيدا بالآجر وقيل مجلسا عاليا عن الحسن ﴿لعلي أبلغ الأسباب﴾ ثم فسر تلك الأسباب فقال ﴿أسباب السموات﴾ والمعنى لعلي أبلغ الطرق من سماء إلى سماء عن السدي وقيل أبلغ أبواب طرق السموات عن قتادة وقيل منازل السموات عن ابن عباس وقيل لعلي أتسبب وأتوصل به إلى مرادي وإلى علم ما غاب عني ثم بين مراده فقال ﴿أسباب السموات﴾ ﴿فأطلع إلى إله موسى﴾ أي فانظر إليه فأراد به التلبيس على الضعفة مع علمه باستحالة ذلك عن الحسن وقيل أراد فأصل إلى إله موسى فغلبه الجهل واعتقد أن الله سبحانه في السماء وأنه يقدر على بلوغ السماء ﴿وإني لأظنه كاذبا﴾ معناه وإني لأظن موسى كاذبا في قوله إن له إلها غيري أرسله إلينا ﴿وكذلك﴾ أي مثل ما زين لهؤلاء الكفار سوء أعمالهم ﴿زين لفرعون سوء عمله﴾ أي قبيح عمله وإنما زين له ذلك أصحابه وجلساؤه وزين له الشيطان كما قال وزين لهم الشيطان أعمالهم ﴿وصد عن السبيل﴾ ومن ضم الصاد فالمعنى أنه صده غيره ومن فتح فالمعنى أنه صد نفسه أو صد غيره ﴿وما كيد فرعون﴾ في إبطال آيات موسى ﴿إلا في تباب﴾ أي هلاك وخسار لا ينفعه ثم عاد الكلام إلى ذكر نصيحة مؤمن آل فرعون وهو قوله ﴿وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد﴾ أي طريق الهدى وهو الإيمان بالله وتوحيده والإقرار بموسى وقيل إن هذا القائل موسى أيضا عن الجبائي ﴿يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع﴾ أي انتفاع قليل ثم يزول وينقطع ويبقى وزره وآثامه ﴿وأن الآخرة هي دار القرار﴾ أي دار الإقامة التي يستقر الخلائق فيها فلا تغتروا بالدنيا الفانية ولا تؤثروها على الدار الباقية ﴿من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها﴾ أي من عمل معصية فلا يجزي إلا مقدار ما يستحقه عليها من العقاب لا أكثر من ذلك ﴿ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن﴾ مصدق بالله وأنبيائه شرط الإيمان في قبول العمل الصالح ﴿فأولئك يدخلون الجنة يرزقون بغير حساب﴾ أي زيادة على ما يستحقونه تفضلا من الله تعالى ولو كان على مقدار العمل فقط لكان بحساب وقيل معناه لا تبعة عليهم فيما يعطون من الخير في الجنة عن مقاتل قال الحسن هذا كلام مؤمن آل فرعون ويحتمل أن يكون كلام الله تعالى إخبارا عن نفسه.