الآيات 46-48

وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴿46﴾ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿47﴾ لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿48﴾

اللغة:

العدة والأهبة والآلة نظائر والانبعاث الانطلاق بسرعة في الأمر وفلان لا ينبعث في الحاجة أي ليس له نفاذ فيها والتثبيط التوقيف عن الأمر بالتزهيد فيه ومثله التربيث والخبال الفساد والخبال الموت والخبال الاضطراب في الرأي والخبل بسكون الباء وفتحها الجنون والخبل فساد الأعضاء قال:

أبني لبينى لستم بيد

إلا يدا مخبولة العضد

والإيضاع الإسراع في السير قال امرؤ القيس:

أرانا موضعين لحتم غيب

ونسخر بالطعام وبالشراب وربما قالوا للراكب وضع بغير ألف ووضعت الناقة تضع وضعا ووضوعا وأوضعتها إيضاعا قال:

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع خلالكم

أي بينكم مشتق من التخلل وفي الحديث تراصوا بين الصفوف لا يتخللكم الشياطين كأنها ببنات حذف والتقليب تصريف الشيء بجعل أعلاه أسفله ورجل حول قلب كأنه يقلب الآراء في الأمور ويحولها.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء المنافقين فقال ﴿ولو أرادوا الخروج﴾ مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نصرة له أو رغبة في جهاد الكفار كما أراد المؤمنون ذلك ﴿لأعدوا له عدة﴾ أي لاستعدوا للخروج عدة وهي ما يعد لأمر يحدث قبل وقوعه والمراد لأخذوا أهبة الحرب من الكراع والسلاح لأن أمارة من أراد أمرا أن يتأهب له قبل حدوثه ﴿ولكن كره الله انبعاثهم﴾ معناه ولكن كره الله خروجهم إلى الغزو لعلمه أنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين وكانوا عيونا للمشركين وكان الضرر في خروجهم أكثر من الفائدة ﴿فثبطهم﴾ عن الخروج الذي عزموا عليه لا عن الخروج الذي أمرهم به لأن الأول كفر والثاني طاعة ولا ينبغي أن يقال كيف كره انبعاثهم بعد ما أمر به في الآية الأولى لأنه إنما أمر بذلك على وجه الذب عن الدين ونية الجهاد وكره ذلك على نية التضريب والفساد فقد كره غير ما أمر به ومعنى ثبطهم بطأ بهم وخذلهم لما يعلم منهم من الفساد ﴿وقيل اقعدوا مع القاعدين﴾ أي وقيل لهم اقعدوا مع النساء والصبيان ويحتمل أن يكون القائلون لهم ذلك أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للجهاد ويحتمل أن يكون ذلك من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم على وجه التهديد والوعيد لا على وجه الإذن ويجوز أن يكون أيضا على وجه الإذن لهم في القعود الذي عاتبه الله تعالى عليه إذ كان الأولى أن لا يأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم قال أبو مسلم هذا يدل على أن الاستئذان كان في الخروج وأن الإذن من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم كان في الخروج لأنه إذا كره الله سبحانه خروجهم وأراد قعودهم وأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في قعودهم فلا عتب عليه ولكنهم استأذنوا في الخروج تملقا وإرادة للفساد فأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم فيه ولم يعلم ضمائرهم فعلم الله تعالى ذلك من نياتهم ومنعهم من الخروج إذ كره خروجهم ثم بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم وتثبيطهم عن الخروج فقال ﴿لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا﴾ معناه لو خرج هؤلاء المنافقون معكم إلى الجهاد ما زادوكم بخروجهم إلا شرا وفسادا وقيل غدرا ومكرا عن الضحاك وقيل يريد عجزا وجبنا عن ابن عباس أي أنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم ﴿ولأوضعوا خلالكم﴾ أي لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والإفساد والنميمة يريد ولسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين ويكون تقديره ولأعدوا الإبل وسطكم وقيل معناه لأوضعوا إبلهم خلالكم يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي ﴿يبغونكم الفتنة﴾ بعدو الإبل وسطكم ومعنى يبغونكم يبغون لكم أو فيكم أي يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة وقيل معناه يبغونكم أن تكونوا مشركين والفتنة الشرك عن الحسن وقيل معناه يخوفونكم بالعدو ويخبرونكم أنكم منهزمون وإن عدوكم سيظهر عليكم عن الضحاك ﴿وفيكم سماعون لهم﴾ أي وفيكم عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم عن مجاهد وابن زيد وقيل معناه وفيكم قائلون منهم عند سماع قولهم يريد ضعفة المسلمين عن قتادة وابن إسحاق وجماعة ﴿والله عليم بالظالمين﴾ أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم لما أضمروا عليه من الفساد منهم عبد الله بن أبي وجد بن قيس وأوس بن قبطي ثم أقسم الله سبحانه فقال ﴿لقد ابتغوا الفتنة من قبل﴾ الفتنة اسم يقع على كل سوء وشر والمعنى لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم وتشتيت أهوائكم وافتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك أي في يوم أحد حين انصرف عبد الله بن أبي بأصحابه وخذل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فصرف الله سبحانه عن المسلمين فتنتهم وقيل أراد بالفتنة صرف الناس عن الإيمان وإلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين عن الحسن وقيل أراد بالفتنة الفتك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في غزوة تبوك ليلة العقبة وكانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا على الثنية ليفتكوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن سعيد بن جبير وابن جريج ﴿وقلبوا لك الأمور﴾ أي احتالوا في توهين أمرك وإيقاع الاختلاف بين المؤمنين وفي قتلك بكل ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه وقيل أنهم كانوا يريدون في كيده وجها من التدبير فإذا لم يتم ذلك فيه تركوه وطلبوا المكيدة في غيره فهذا تقليب الأمور عن أبي مسلم ﴿حتى جاء الحق﴾ معناه حتى جاء النصر والظفر الذي وعده الله به ﴿وظهر أمر الله﴾ أي دينه وهو الإسلام على الكفار على رغمهم ﴿وهم كارهون﴾ أي في حال كراهيتهم لذلك فهي جملة في موضع الحال.