الآيـة 40

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ يَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿40﴾ انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿41﴾

القراءة:

قرأ يعقوب وحده كلمة الله بالنصب والباقون بالرفع.

الحجة:

من نصب عطفه على قوله ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى﴾ ﴿وجعل كلمة الله هي العليا﴾ ومن رفع استأنف وهو أبلغ لأنه يفيد أن كلمة الله هي العليا على كل حال.

الإعراب:

﴿ثاني اثنين﴾ نصب على الحال وللعرب في هذا مذهبان (أحدهما) قولهم هذا ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة وخامس خمسة أي أحد اثنين وأحد ثلاثة وأحد أربعة وأحد خمسة (والآخر) قولهم ثالث اثنين وخامس أربعة بمعنى أنه ثلث اثنين وخمس أربعة فالأول إضافة حقيقية محضة والثاني إضافة غير محضة إذ هو في تقدير الانفصال، ﴿إذ هما في الغار﴾ بدل من قوله ﴿إذ أخرجه الذين كفروا﴾ وضع أحد الزمانين في موضع الآخر لتقاربهما.

المعنى:

ثم أعلمهم الله سبحانه أنهم إن تركوا نصرة رسوله لم يضره ذلك شيئا كما لم يضره قلة ناصريه حين كان بمكة وهم به الكفار فتولي الله نصره فقال ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾ معناه إن لم تنصروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على قتال العدو فقد فعل الله به النصر ﴿إذ أخرجه الذين كفروا﴾ من مكة فخرج يريد المدينة ﴿ثاني اثنين﴾ يعني أنه كان هو وأبو بكر ﴿إذ هما في الغار﴾ ليس معهما ثالث أي وهو أحد اثنين ومعناه فقد نصره الله منفردا من كل شيء إلا من أبي بكر والغار الثقب العظيم في الجبل وأراد به هنا غار ثور وهو جبل بمكة ﴿إذ يقول لصاحبه﴾ أي إذ يقول الرسول لأبي بكر ﴿لا تحزن﴾ أي لا تخف ﴿إن الله معنا﴾ يريد أنه مطلع علينا عالم بحالنا فهو يحفظنا وينصرنا قال الزهري لما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأبو بكر الغار أرسل الله زوجا من حمام حتى باضا في أسفل الثقب والعنكبوت حتى تنسج بيتا فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال لو دخله أحد لانكسر البيض وتفسخ بيت العنكبوت فانصرف وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللهم أعم أبصارهم فعميت أبصارهم عن دخوله وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار وقال أبو بكر لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا وروى علي بن إبراهيم بن هاشم قال كان رجل من خزاعة فيهم يقال له أبو كرز فما زال يقفو أثر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى وقف بهم باب الغار فقال لهم هذه قدم محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هي والله أخت القدم التي في المقام وقال هذه قدم أبي قحافة أو ابنه وقال ما جازوا هذا المكان إما أن يكونوا قد صعدوا في السماء أو دخلوا في الأرض وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار وهو يقول لهم اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا وكانت العنكبوت نسجت على باب الغار ونزل رجل من قريش فبال على باب الغار فقال أبو بكر قد أبصرونا يا رسول الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم ﴿فأنزل الله سكينته عليه﴾ يعني على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي ألقى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه عن الزجاج ﴿وأيده﴾ أي قواه ونصره ﴿بجنود لم تروها﴾ أي بملائكة يضربون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه عن الزجاج وقيل معناه قواه بملائكة يدعون الله تعالى له عن ابن عباس وقيل معناه وأعانه بالملائكة يوم بدر وأخبر الله سبحانه أنه صرف عنه كيد أعدائه وهو في الغار ثم أظهر نصره بالملائكة يوم بدر عن مجاهد والكلبي وقال بعضهم يجوز أن تكون الهاء التي في عليه راجعة إلى أبي بكر وهذا بعيد لأن الضمائر قبل هذا وبعده تعود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بلا خلاف وذلك في قوله ﴿إلا تنصروه فقد نصره الله﴾ وفي قوله ﴿إذ أخرجه﴾ وقوله ﴿لصاحبه﴾ وقوله فيما بعد و﴿أيده﴾ فكيف يتخللها ضمير عائد إلى غيره هذا وقد قال سبحانه في هذه السورة ﴿ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ وقال في سورة الفتح ﴿فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين﴾ وقد ذكرت الشيعة في تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الآية بالسكينة كلاما رأينا الإضراب عن ذكره أحرى لئلا ينسبنا ناسب إلى شيء ﴿وجعل كلمة الذين كفروا السفلى﴾ معناه أن الله سبحانه جعل كلمتهم نازلة دنية وأراد به أنه سفل وعيدهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتخويفهم إياه وأبطله بأن نصره عليهم فعبر عن ذلك بأنه جعل كلمتهم السفلى لا أنه خلق كلمتهم ﴿وكلمة الله هي العليا﴾ أي هي المرتفعة المنصورة بغير جعل جاعل لأنها لا يجوز أن تدعو إلى خلاف الحكمة وقيل إن كلمة الكفار كلمة الشرك وكلمة الله هي كلمة التوحيد وهي قوله لا إله إلا الله فمعناه جعل كلمة الكفار السفلى بأن جعلهم أذلة أسفلين وأعلى كلمة الله بأن أعز الإسلام والمسلمين ﴿والله عزيز﴾ في انتقامه من أهل الشرك ﴿حكيم﴾ في تدبيره.