الآيات 36-42

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يمُ ﴿36﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿37﴾ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ﴿38﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿39﴾ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿40﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴿41﴾ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴿42﴾

اللغة:

النزغ النخس بما يدعو إلى الفساد يقال نزغ ينزغ وفلان ينزغ فلانا كأنه ينخسه بما يدعوه إلى خلاف الصواب وألحد: مال عن الحق ويقال لحد يلحد أيضا بمعناه ويسمى القرآن ذكرا لأنه ذكر فيه الدلائل والأحكام.

الإعراب:

﴿وإما ينزغنك﴾ هي إن التي للجزاء زيد عليها ما تأكيدا فأشبه لذلك القسم فلذلك دخل الفعل نون التأكيد ﴿إن الذين كفروا بالذكر﴾ لم يذكر لأن خبرا والتقدير إن الذين كفروا بالذكر مبتدأ الخبر معذبون فحذف الخبر ويجوز أن يكون الخبر أولئك ينادون من مكان بعيد.

المعنى:

ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستعيذ بالله إذا صرفه الشيطان عن الاحتمال فقال ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغ﴾ أن ما يدعونك نزغ من الشيطان بالوسوسة ﴿فاستعذ بالله﴾ أي فاطلب الاعتصام من شره بالله ﴿إنه هو السميع العليم﴾ الآية مفسرة في آخر سورة الأعراف ثم ذكر سبحانه دلالات التوحيد فقال ﴿ومن آياته﴾ أي حججه الدالة على وحدانيته وأدلته على صفاته التي باين بها جميع خلقه ﴿الليل﴾ بذهاب الشمس عن بسيط الأرض ﴿والنهار﴾ بطلوعها على وجهها وتقديرهما على وجه مستقر وتدبيرهما على نظام مستمر ﴿والشمس والقمر﴾ وما اختصا به من النور وظهر فيهما من التدبير في المسير والتعريف في فلك التدوير ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر﴾ وإن كان فيهما منافع كثيرة لأنهما ليسا بخالقين ﴿واسجدوا لله الذي خلقهن﴾ وأنشأهن وإنما قال ﴿خلقهن﴾ لوجهين (أحدهما) أن ضمير غير ما يعقل على لفظ التأنيث تقول هذا كباشك فسقها وإن شئت قلت فسقهن (والآخر) أن الضمير يرجع إلى معنى الآيات لأنه قال ﴿ومن آياته﴾ هذه الأشياء ﴿واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون﴾ إن كنتم تقصدون بعبادتكم الله كما تزعمون فاسجدوا لله دون غيره ثم قال ﴿فإن استكبروا﴾ عن توجيه العبادة إلى الله وحده ﴿فالذين عند ربك﴾ وهم الملائكة ﴿يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون﴾ أي لا يملون ولا يفترون وهو مفسر في سورة الأعراف والمروي عن ابن عباس وقتادة وابن المسيب أن موضع السجود عند قوله ﴿وهم لا يسأمون﴾ وعن ابن مسعود والحسن أنه عند قوله ﴿إن كنتم إياه تعبدون﴾ وهو اختيار أبي عمرو بن العلا وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) ومن آياته﴾ أي من أدلته الدالة على ربوبيته ﴿أنك ترى الأرض خاشعة﴾ أي غبراء دارسة متهشمة عن قتادة والسدي أي كان حالها حال الخاضع المتواضع وقيل ميتة يابسة لا نبات فيها قال الأزهري إذا يبست الأرض ولم تمطر قيل قد خشعت ﴿فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت﴾ أي تحركت بالنبات ﴿وربت﴾ أي انتفخت وارتفعت قبل أن تنبت وقيل ﴿اهتزت﴾ بالنبات ﴿وربت﴾ بكثرة ريعها عن الكلبي ﴿إن الذي أحياها﴾ أي أحيا الأرض بما أنزله من المطر ﴿لمحي الموتى﴾ في الآخرة مثل ذلك ﴿إنه على كل شيء قدير﴾ ظاهر المعنى ﴿إن الذين يلحدون﴾ أي إن الذين يميلون من الإيمان بآياتنا ﴿لا يخفون علينا﴾ بأشخاصهم وأقوالهم وأفعالهم وهذا وعيد عن قتادة وابن زيد والسدي وقد قيل أن معنى الإلحاد في آيات الله هو ما كانوا يفعلونه من المكاء والصفير عن مجاهد وقيل: هو تبديلهم ذلك ووضعه في غير موضعه عن ابن عباس وقال بعض المفسرين أن المراد بالآيات هنا دلالات التوحيد والإلحاد فيها الانحراف عنها وترك الاستدلال بها ثم قال سبحانه على وجه الإنكار عليهم والتهجين لفعلهم والتهديد لهم ﴿أفمن يلقى في النار خير﴾ وهم الملحدون ﴿أم من يأتي آمنا يوم القيامة﴾ من عذاب الله وهم المؤمنون المطيعون وهذا استفهام تقرير معناه أنهما لا يستويان وقيل إن الذي يلقى في النار أبو جهل والذي يأتي آمنا يوم القيامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مقاتل وقيل: هو عمار بن ياسر عن عكرمة والصحيح أن الآية على العموم والمراد بهما المؤمن والكافر ثم قال سبحانه ﴿اعملوا ما شئتم﴾ لفظه لفظ الأمر ومعناه الوعيد والتهديد أي فإذا علمتم أنهما لا يستويان فليختر كل واحد منكم لنفسه ما شاء من الأمرين فإن العاقل لا يختار الإلقاء في النار فإذا لم يختر ذلك فلا بد أن يؤمن بالآيات فلا يلحد فيها ﴿إنه بما تعملون﴾ أي بأعمالكم ﴿بصير﴾ عالم لا يخفى عليه شيء منها ثم أخبر سبحانه عنهم مهجنا لهم فقال ﴿إن الذين كفروا بالذكر﴾ الذي هو القرآن وجحدوه ﴿لما جاءهم﴾ أي حين جاءهم ثم أخذ سبحانه في وصف الذكر وترك خبر إن على تقدير إن الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم ونحو ذلك وقيل إن خبره أولئك ينادون من مكان بعيد عن أبي عمرو بن العلا وقيل إن قوله ﴿وإنه لكتاب عزيز﴾ في موضع الخبر والتقدير الكتاب الذي جاءهم عزيز وأما قوله ﴿وإنه﴾ فالهاء يعود إلى القرآن الذي هو الذكر والمعنى إن الذكر لكتاب عزيز بأنه لا يقدر أحد من العباد على أن يأتي بمثله وقيل إنه عزيز بإعزاز الله عز وجل إياه إذا حفظه من التغيير والتبديل وقيل هو عزيز إذ جعله الله على أتم صفات الأحكام وقيل عزيز بأنه يجب أن يعز ويجل بالانتهاء إلى ما فيه وترك الإعراض عنه وقيل عزيز أي كريم على الله عز وجل عن ابن عباس ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه﴾ قيل فيه أقوال (أحدها) إن الباطل الشيطان ومعناه لا يقدر الشيطان أن ينقص منه حقا أو يزيد فيه باطلا عن قتادة والسدي (وثانيها) إنه لا يأتيه ما يبطله من بين يديه أي من الكتب التي قبله ولا من خلفه أي لا يجيء من بعده كتاب يبطله أي ينسخه عن ابن عباس والكلبي ومقاتل (وثالثها) معناه أنه ليس في إخباره عما مضى باطل ولا في إخباره عما يكون في المستقبل باطل بل إخباره كلها موافقة لمخبراتها وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) (ورابعها) لا يأتيه الباطل من أول تنزيله ولا من آخره عن الحسن و(خامسها) لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات فلا تناقض في ألفاظه ولا كذب في أخباره ولا يعارض ولا يزاد فيه ولا يغير بل هو محفوظ حجة على المكلفين إلى يوم القيامة ويؤيده قوله ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ و﴿تنزيل من حكيم﴾ أي هو تنزيل من عالم بوجوه الحكمة ﴿حميد﴾ مستحق للحمد على خلقه بالإنعام عليهم والقرآن هو من أعظم نعمه فاستحق به الحمد والشكر.