الآيات 21-25

وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿21﴾ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿22﴾ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ﴿23﴾ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ ﴿24﴾ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴿25﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الحسن وعمرو بن عبيد وإن يستعتبوا بضم الياء وفتح التاء فما هم من المعتبين بكسر التاء.

الحجة:

قال ابن جني معناه لو استعطفوا لما عطفوا لأنه لا غناء عندهم ولا خير فيهم فيجيبوا إلى جميل.

اللغة:

الإنطاق جعل القادر على الكلام ينطق إما بالإلجاء إلى النطق أو الدعاء إليه والنطق إدارة اللسان في الفم بالكلام ولذلك لا يوصف سبحانه بأنه ناطق وإن وصف بأنه متكلم والإرداء الإهلاك يقال أراده فردي يردى فهو رد قال الأعشى:

أفي الطوف خفت علي الردى

وكم من رد أهله لم يرم

والاستعتاب طلب العتبي وهي الرضاء وهو الاسترضاء والإعتاب الإرضاء وأصل الإعتاب عند العرب استصلاح الجلد بإعادته في الدباغ ثم استعير فيما يستعطف به البعض بعضا لإعادته ما كان من الألفة وأصل التقييض التبديل ومنه المقايضة وهي مبادلة مال بمال قال الشماخ:

تذكرت لما أثقل الدين كأهلي

وعاب بزيد ما أردت تعذرا

رجالا مضوا مني فلست مقايضا

بهم أبدا من سائر الناس معشرا

الإعراب:

﴿وذلكم ظنكم﴾ ذلكم مبتدأ وظنكم خبره وأرداكم خبر بعد خبر وإن أضمرت قد فجعلته حالا جاز أي ذلكم ظنكم مرديا إياكم ويجوز أن يكون ذلكم مبتدأ وظنكم بدلا منه وأرداكم خبر المبتدأ.

المعنى:

ثم حكى سبحانه عنهم بقوله ﴿وقالوا﴾ يعني الكفار ﴿لجلودهم لم شهدتم علينا﴾ أي يعاتبون أعضاءهم فيقولون لها لم شهدتم علينا ﴿قالوا﴾ أي فتقول جلودهم في جوابهم ﴿أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾ أي مما ينطق والمعنى أعطانا الله آلة النطق والقدرة على النطق وتم الكلام ثم قال سبحانه ﴿وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون﴾ في الآخرة أي إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي سواه تعالى وليس هذا من جواب الجلود ﴿وما كنتم تستترون أن يشهد﴾ أي من أن يشهد ﴿عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم﴾ معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن يتهيأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة وقيل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما كنتم تظنون ذلك ﴿ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون﴾ لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذاك وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا وقالوا أ ترى الله يسمع سرارنا.

ويجوز أن يكون المعنى إنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس وقيل: إن الكفار كانوا يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر عن ابن عباس ﴿وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم﴾ ذلكم مبتدأ وظنكم خبره وأرداكم خبر ثان ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم ويكون المعنى وظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي وأدى بكم إلى الكفر ﴿فأصبحتم من الخاسرين﴾ أي فظللتم من جملة من خسرت تجارته لأنكم خسرتم الجنة وحصلتم في النار قال الصادق (عليه السلام) ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة أن الله تعالى يقول ﴿وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم﴾ الآية ثم قال إن الله عند ظن عبده به إن خيرا فخير وإن شرا فشر ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال ﴿فإن يصبروا فالنار مثوى لهم﴾ أي فإن يصبر هؤلاء على النار وآلامها وليس المراد به الصبر المحمود ولكنه الإمساك عن إظهار الشكوى وعن الاستغاثة فالنار مسكن لهم ﴿وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين﴾ أي وإن يطلبوا العتبي وسألوا الله تعالى أن يرضى عنهم فليس لهم طريق إلى الإعتاب فما هم ممن يقبل عذرهم ويرضى عنهم وتقدير الآية أنهم إن صبروا وسكتوا أو جزعوا فالنار مأواهم كما قال سبحانه: ﴿اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم﴾ والمعتب هو الذي يقبل عتابه ويجاب إلى ما سأل وقيل معناه وإن يستغيثوا فما هم من المغاثين ﴿وقيضنا لهم قرناء﴾ أي هيأنا لهم قرناء من الشياطين عن مقاتل ومعناه بدلناهم قرناء: سوء من الجن والإنس مكان قرناء الصدق الذين أمروا بمقارنتهم فلم يفعلوا بين الله سبحانه إنه إنما فعل ذلك عقوبة لهم على مخالفتهم ونظيره ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقيل: معناه خلينا بينهم وبين قرناء السوء بما استوجبوه من الخذلان عن الحسن ﴿فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم﴾ أي زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروه وعملوا له وما خلفهم من أمر الآخرة بدعائهم إلى أنه لا بعث ولا جزاء عن الحسن والسدي وقيل فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة فقالوا لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب وما خلفهم من أمر الدنيا من جمع الأموال وترك النفقة في وجوه البر عن الفراء وقيل: ما بين أيديهم ما قدموه من أفعالهم السيئة حتى ارتكبوها وما خلفهم ما سنوه لغيرهم ممن يأتي بعدهم ﴿وحق عليهم القول﴾ أي وجب عليهم الوعيد والعذاب ﴿في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس﴾ أي صاروا في أمم أمثالهم كذبوا لتكذيبهم قد مضوا قبلهم وجب عليهم العذاب بعصيانهم ثم قال سبحانه ﴿إنهم كانوا خاسرين﴾ خسروا الجنة ونعيمها.