الآيات 6-10

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ﴿6﴾ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿7﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴿8﴾ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿9﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر سواء بالرفع وقرأ يعقوب سواء بالجر والباقون بالنصب ﴿سواء﴾.

الحجة:

من قرأ سواء بالرفع جعله خبر مبتدإ محذوف أي هي سواء ومن قرأ سواء بالجر جعله صفة أيام التقدير في أربعة أيام مستويات تامات وأما النصب فعلى المصدر على معنى استوت سواء واستواء.

المعنى:

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار ﴿إنما أنا بشر مثلكم﴾ من ولد آدم لحم ودم وإنما خصني الله تعالى بنبوته وميزني منكم بأن أوحى إلي ولو لا الوحي ما دعوتكم وهو قوله ﴿يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد﴾ لا شريك له في العبادة ﴿فاستقيموا إليه﴾ أي لا تميلوا عن سبيله وتوجهوا إليه بالطاعة كما يقال استقم إلى منزلك أي لا تعدل عنه إلى غيره ﴿واستغفروه﴾ من الشرك واطلبوا المغفرة لذنوبكم من جهته ثم أوعدهم فقال ﴿وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة﴾ أي لا يعطون الزكاة المفروضة وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع وهذا هو الظاهر وقيل معناه لا يطهرون أنفسهم من الشرك بقول لا إله إلا الله فإنها زكاة الأنفس عن عطاء عن ابن عباس وهذا كما يقال أعطى فلان من نفسه الطاعة أي ألزمها نفسه وقد وصف سبحانه الكفر بالنجاسة بقوله إنما المشركون نجس وذكر الزكاة بمعنى التطهير في قوله خيرا منه زكاة وقيل معناه لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها ولا يؤمنون بها عن الحسن وقتادة وعن الكلبي عابهم الله بها وقد كانوا يحجون ويعتمرون وقيل لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون عن الضحاك ومقاتل وكان يقول الزكاة قنطرة الإسلام وقال الفراء الزكاة في هذا الموضع أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وهم بالآخرة هم كافرون﴾ وهم مع ذلك يجحدون بما أخبر الله تعالى به من أحوال الآخرة ثم عقب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين فقال ﴿إن الذين آمنوا﴾ أي صدقوا بأمر الآخرة من الثواب والعقاب ﴿وعملوا الصالحات﴾ أي الطاعات ﴿لهم أجر غير ممنون﴾ أي لهم جزاء على ذلك غير مقطوع بل هو متصل دائم ويجوز أن يكون معناه أنه لا أذى فيه من المن الذي يكدر الصنيعة ثم وبخهم سبحانه على كفرهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد لهم على وجه الإنكار عليهم ﴿أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض﴾ وهذا استفهام تعجيب أي كيف تستجيزون أن تكفروا وتجحدوا نعمة من خلق الأرض ﴿في يومين﴾ أي في مقدار يومين ﴿وتجعلون له أندادا﴾ أي أمثالا وأشباها تعبدونهم وفي هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يستدل على إثبات ذاته وصفاته بأفعاله فهي دالة على إثبات صفاته إما بنفسها كما يدل صحة الفعل على كونه قادرا وأحكامه على كونه عالما وإما بواسطة كما يدل كونه قادرا عالما على كونه حيا موجودا سميعا بصيرا ﴿ذلك رب العالمين﴾ أي ذلك الذي خلق الأرض في يومين خالق العالمين ومالك التصرف فيهم ﴿وجعل فيها﴾ أي في الأرض ﴿رواسي﴾ أي جبالا راسيات ثابتات ﴿من فوقها﴾ أي من فوق الأرض ﴿وبارك فيها﴾ بما خلق فيها من المنافع وقيل بأن أنبت شجرها من غير غرس وأخرج نبتها من غير زرع وبذر وأودعها مما ينتفع به العباد عن السدي ﴿وقدر فيها أقواتها﴾ أي قدر في الأرض أرزاق أهلها على حسب الحاجة إليها في قوام أبدان الناس وسائر الحيوان وقيل قدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في أخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد ﴿في أربعة أيام﴾ أي في تتمة أربعة أيام من حين ابتداء الخلق فاليومان الأولان داخلان فيها كما تقول خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما أي في تتمة خمسة عشر يوما ﴿سواء للسائلين﴾ أي مستوية كاملة من غير زيادة ولا نقصان للسائلين عن مدة خلق الأرض وقيل معناه للذين يسألون الله أرزاقهم ويطلبون أقواتهم فإن كلا يطلب القوت ويسأله عن قتادة والسدي واختلف في علة خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام فقيل إنما خلق ذلك شيئا بعد شيء في هذه الأيام الأربعة ليعلم الخلق أن من الصواب التأني في الأمور وترك الاستعجال فيها فإنه سبحانه كان قادرا على أن يخلق ذلك في لحظة واحدة عن الزجاج وقيل إنما خلق ذلك في هذه المدة ليعلم بذلك أنها صادرة عن قادر مختار عالم بالمصالح وبوجوه الأحكام إذ لو صدرت عن مطبوع أو موجب لحصلت في حالة واحدة وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إن الله تعالى خلق الأرض في يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق الشجر والماء والعمران والخراب يوم الأربعاء فتلك أربعة أيام وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة وآدم.