الآيات 9-13

اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿9﴾ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴿10﴾ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿11﴾ وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴿12﴾ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ﴿13﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة والشام ﴿أئمة الكفر﴾ بهمزتين وقرأ الباقون أيمة بهمزة واحدة وياء بعدها وقرأ ابن عامر لا إيمان بكسر الهمزة ورواه ابن عقدة بإسناده عن عريف بن الوضاح الجعفي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) والباقون بفتحها.

الحجة:

قال أبو علي أئمة أصله أفعلة واحدها إمام فإذا جمعته على أفعلة ففيه همزة هي فاء الفعل ويزيد عليها همزة أفعلة الزائدة فيجتمع همزتان واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل بحقيقتهما قال الزجاج أصله أئمة ولكن الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية وألقيت حركتها على الهمزة فصارت أئمة فأبدل النحويون من الهمزة المكسورة الياء قال ومن قال هذا أوم من هذا كان أصله أأم فجعلها واوا مفتوحة كما قالوا في جمع آدم أوادم قال أبو علي ومن جمع بين الهمزتين في أئمة فحجته أن سيبويه قال زعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين في أناس معه وقد يتكلم ببعضه العرب وهو رديء ووجهه من القياس أن تقول أن الهمزة حرف من حروف الحلق كالعين وغيره وقد جمع بينهما في نحو كعاعة وكع يكع فكما جاز اجتماع العينين جاز اجتماع الهمزتين قال علي بن عيسى إنما جاز اجتماع الهمزتين هنا لئلا يجتمع على الكلمة تغيران الإدغام والقلب مع خفة التحقيق لأجل ما بعده من السكون وعلى هذا تقول هذا أءم من هذا بهمزتين قال وإنما قلبت الهمزة من أئمة دون حركة ما قبلها لأن الحركة إنما نقلت من الميم إلى الهمزة لبيان زنة الكلمة فلو ذهبت بقلبها على ما قبلها لكنت مناقضا للغرض فيها وأما قوله ﴿لا أيمان لهم﴾ فمن فتح الهمزة قال هو أشبه بالموضع فقد قال نكثوا أيمانهم ومن كسرها جعله مصدر آمنته إيمانا خلاف خوفته ولا يريد مصدرا من الذي هو صدق فيكون تكرارا لدلالة ما تقدم من قوله فقاتلوا أئمة الكفر على أن أهل الكفر لا أيمان لهم.

اللغة:

الأيمان جمع يمين وهو القسم والطعن الاعتماد بالعيب وأصله الطعن بالرمح والإمام هو المتقدم للاتباع فالإمام في الخير مهتد هاد وفي الشر ضال مضل والهم مقارنة الفعل بالعزم من غير إيقاع له وقد ذموا بهذا الهم ففيه دليل على العزم وقد يستعمل الهم على مقارنة العزم والبدء فعل الشيء من قبل غيره وهو فعل الشيء أولا والمرة فعل لم يتكرر وهي الفعلة من المر والمرة والدفعة والكرة نظائر.

المعنى:

ثم بين سبحانه خصال القوم فقال ﴿اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله﴾ ومعناه أعرضوا عن دين الله وصدوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا وأصل الاشتراء استبدال ما كان من المتاع بالثمن ونقيضه البيع وهو العقد على تسليم المتاع بالثمن ومعنى الفاء هنا أن اشتراءهم هذا أداهم إلى الصد عن الإسلام وهذا ورد في قوم من العرب جمعهم أبو سفيان على طعامه ليستميلهم على عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن مجاهد وقيل ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشا من العوام على الحكم بالباطل عن الجبائي ﴿إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾ أي بئس العمل عملهم ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة﴾ سبق معناه والفائدة في الإعادة أن الأول في صفة الناقضين للعهد والثاني في صفة الذين اشتروا ب آيات الله ثمنا قليلا وقيل إنما كرر تأكيدا ﴿وأولئك هم المعتدون﴾ أي المجاوزون الحد في الكفر والطغيان ﴿فإن تابوا﴾ أي ندموا على ما كان منهم من الشرك وعزموا على ترك العود إليه وقبلوا الإسلام ﴿وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ أي قبلوهما وأدوهما عند لزومهما ﴿فإخوانكم في الدين﴾ أي فهم إخوانكم في الدين فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين ﴿ونفصل الآيات﴾ أي نبينها ونميزها بخاصة لكل واحدة منها تتميز بها من غيرها حتى يظهر مدلولها على أتم ما يكون من الظهور فيها ﴿لقوم يعلمون﴾ ذلك ويتبينونه دون الجهال الذين لا يتفكرون ﴿وإن نكثوا﴾ أي نقضوا ﴿أيمانهم﴾ أي عهودهم وما حلفوا عليه ﴿من بعد عهدهم﴾ أي من بعد أن عقدوه ﴿وطعنوا في دينكم﴾ أي عابوه وقدحوا فيه ﴿فقاتلوا أئمة الكفر﴾ أي رؤساء الكفر والضلالة وخصهم بالأمر بقتالهم لأنهم يضلون أتباعهم قال الحسن وأراد به جماعة الكفار وكل كافر إمام لنفسه في الكفر ولغيره في الدعاء إليه وقال ابن عباس وقتادة أراد به رؤساء قريش مثل الحرث بن هشام وأبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد وكان حذيفة بن اليمان يقول لم يأت أهل هذه الآية بعد وقال مجاهد هم أهل فارس والروم وقرأ علي (عليه السلام) هذه الآية يوم البصرة ثم قال أما والله لقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال لي يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة والفئة الباغية والفئة المارقة ﴿إنهم لا أيمان لهم﴾ من قرأ بفتح الهمزة فمعناه أنهم لا يحفظون العهد واليمين كما يقال فلان لا عهد له أي لا وفاء له بالعهد ومن قرأ بالكسر فمعناه لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد ويحتمل أن يكون معناه أنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به ويحتمل أن يكون معناه أنهم كفروا فلا إيمان لهم ﴿لعلهم ينتهون﴾ معناه قاتلوهم لينتهوا عن الكفر فإنهم لا ينتهون عنه بدون القتال وقيل معناه ليكن قصدكم في قتالكم انتهاؤهم عن الشرك فإن قيل كيف نفى بقوله ﴿لا أيمان لهم﴾ ما أثبته بقوله وإن نكثوا أيمانهم قيل له إن الإيمان التي أثبتها هي ما حلفوا بها وعقدوا عليها وإنما نفاها من بعد لأنهم لم يفوا بها ولم يتمسكوا بموجبها ﴿ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول﴾ الألف للاستفهام والمراد به التحضيض والإيجاب ومعناه هلا تقاتلونهم وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها واختلف في هؤلاء فقيل هم اليهود الذين نقضوا العهد وخرجوا مع الأحزاب وهموا بإخراج الرسول من المدينة كما أخرجه المشركون من مكة عن الجبائي والقاضي وقيل هم مشركو قريش وأهل مكة ﴿وهم بدءوكم أول مرة﴾ أي بدءوكم بنقض العهد عن ابن إسحاق والجبائي وقيل بدءوكم بقتال حلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من خزاعة عن الزجاج وقيل بدءوكم بالقتال يوم بدر وقالوا حين سلم العير لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه ﴿أتخشونهم﴾ أي أ تخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه لفظه استفهام والمراد به تشجيع المؤمنين وفي ذلك غاية الفصاحة لأنه جمع بين التقريع والتشجيع ﴿فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين﴾ المعنى لا تخشوهم ولا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم فإنه سبحانه أحق أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم إن كنتم مصدقين بعقاب الله وثوابه أي إن كنتم مؤمنين فخشية الله أحق بكم من خشية غيره والله أعلم وأحكم.