الآيات 7-8

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿7﴾ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴿8﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة عكرمة إيلا بياء بعد الهمزة.

الحجة:

يمكن أن يكون أراد ﴿إلا﴾ كقراءة الجماعة إلا أنه أبدل اللام الأولى ياء لثقل الإدغام ولكسر الهمزة كما قالوا دينار وقيراط والأصل دنار وقراط لقولهم دنانير وقراريط وقد جاء مع التضعيف وحده قال:

يا ليتما أمنا شالت نعامتها

أيما إلى جنة أيما إلى نار.

اللغة:

الظهور العلو بالغلبة وأصله خروج الشيء إلى حيث يصح أن يدرك الرقبة والانتظار والمراقبة والمراعاة والمحافظة نظائر والرقيب الحافظ والإل العهد مأخوذ من الأليل وهو البريق يقال أل يؤول ألا إذا لمع والآلة الحربة للمعانها وأذن مؤللة مشبهة للحربة في تحديدها قال الشاعر:

وجدناهم كاذبا إلهم

وذو الإل والعهد لا يكذب والإل القرابة قال حسان:

لعمرك إن إلك من قريش

كإل السقب من رأل النعام.

المعنى:

لما أمر سبحانه بنبذ العهد إلى المشركين بين أن العلة في ذلك ما ظهر منهم من الغدر وأمر بإتمام العهد لمن استقام على الأمر فقال ﴿كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله﴾ أي كيف يكون لهؤلاء عهد صحيح مع إضمارهم الغدر والنكث وهذا يكون على التعجب أو على الجحد ويدل عليه ما روي أن في قراءة عبد الله كيف يكون عهد عند الله ﴿ولا ذمة﴾ فأدخل الكلام لا لأن معنى الأول جحد أي لا يكون لهم عهد وقيل معناه كيف يأمر الله ورسوله بالكف عن دماء المشركين ثم استثنى سبحانه فقال ﴿إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام﴾ أي فإن لهم عهدا عند الله لأنهم لهم يضمروا الغدر بك والخيانة لك واختلف في هؤلاء من هم فقيل هم قريش عن ابن عباس وقيل هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله يوم الحديبية فلم يستقيموا ونقضوا العهد بأن أعانوا بني بكر على خزاعة فضرب لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد الفتح أربعة أشهر يختارون أمرهم إما أن يسلموا وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا فأسلموا قبل الأربعة الأشهر عن قتادة وابن زيد وقيل هم من قبائل بكر بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل وهم الذين كانوا قد دخلوا عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبين قريش فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن له نقض إلى مدته وهذا القول أقرب إلى الصواب لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة ﴿فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم﴾ معناه فما استقاموا لكم على العهد أي ما داموا باقين معكم على الطريقة المستقيمة فكونوا معهم كذلك ﴿إن الله يحب المتقين﴾ للنكث والغدر ﴿كيف وإن يظهروا عليكم﴾ هاهنا حذف وتقديره كيف يكون لهم عهد وكيف لا تقتلونهم وإنما حذفه لأن ما قبله من قوله كيف يكون للمشركين عهد يدل على ذلك ومثله قول الشاعر يرثي أخا له قد مات:

وخبرتماني أنما الموت بالقرى

فكيف وهاتا هضبة وقليب

أي فكيف مات وليس بقرية ومثله قول الحطيئة:

فكيف ولم أعلمهم حدلوكم

على معظم ولا أديمكم قدوا

أي وكيف تلومونني على مدح قوم وتذمونهم فاستغنى عن ذكر ذلك لأنه جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمره ومعناه كيف يكون لهؤلاء عهد عند الله وعند رسوله وهم بحال إن يظهروا عليكم ويظفروا بكم ويغلبوكم ﴿لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة﴾ أي لا يحفظوا ولا يراعوا فيكم قرابة ولا عهدا والإل القرابة عن ابن عباس والضحاك والعهد عن مجاهد والسدي والجوار عن الحسن والحلف عن قتادة واليمين عن أبي عبيدة وقيل أن الإل اسم الله تعالى عن مجاهد وروي أن أبا بكر قرىء عليه كلام مسيلمة فقال لم يخرج هذا من إل فأين يذهب بكم ومن قال إن الإل هو العهد قال جمع بينه وبين الذمة وإن كان بمعناه لاختلاف معنى اللفظين كما قال:

وألفى قولها كذبا ومينا وقال:

متى أدن منه ينأ عني ويبعد ﴿يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم﴾ معناه يتكلمون بكلام الموالين لكم لترضوا عنهم وتأبى قلوبهم إلا العداوة والغدر ونقض العهد ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ أي متمردون في الكفر والشرك عن ابن الإخشيد وقال الجبائي أراد كلهم فاسقون لكنه وضع الخصوص موضع العموم وقال القاضي معناه أكثرهم خارجون عن طريق الوفاء بالعهد وأراد بذلك رؤساءهم.