الآيات 3-4

وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿3﴾ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿4﴾

القراءة:

قرأ يعقوب برواية روح وزيد ورسوله بالنصب وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمرو وقرأ سائر القراء ﴿ورسوله﴾ بالرفع وفي الشواذ قراءة عكرمة وعطا لم ينقضوكم بالضاد المعجمة.

الحجة:

من قرأ ﴿ورسوله﴾ بالرفع فإنه على الابتداء وخبره محذوف ويدل عليه ما تقدمه وتقديره ورسوله أيضا بريء منهم ويجوز أن يكون معطوفا على المضمر في بريء وحسن العطف عليه وإن كان غير مؤكد لأن قوله ﴿من المشركين﴾ قام مقام التوكيد وذكر سيبويه وجها ثالثا وهو أن يكون معطوفا على موضع أن وهذا وهم منه لأن أن المفتوحة مع ما بعدها في تأويل المصدر فقد تغيرت عن حكم المبتدأ وصارت في حكم ليت ولعل وكان في إحداثها معنى يفارق المبتدأ فكما لا يجوز العطف على مواضعهن فكذا لا يجوز العطف على موضع أن وإنما يجوز العطف على موضع إن المكسورة كما قال الشاعر:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيار بها لغريب

ولعل سيبويه توهم أنها مكسورة فحمل على موضعها فقد قرأ في الشواذ إن الله بريء بالكسر فلعله تأول على هذه القراءة ومن نصب عطفه على اسم الله تعالى وعلى هذا فيكون خبره محذوفا أيضا ومن قرأ لم ينقضوكم فمعناه لم ينقضوا أموركم وعهودكم.

اللغة:

الأذان الإعلام يقال أذنته بكذا فأذن أي أعلمته فعلم وقيل إن أصله من النداء الذي يسمع بالأذن ومعناه أوقعه في أذنه وتأذن بمعنى آذن كما يقال تيقن وأيقن والمدة والزمان والحين نظائر وأصله من مددت الشيء مدا فكأنه زمان طويل الفسحة والمدة عند المتكلمين اسم للمعدود من حركات الفلك وهو محدث.

الإعراب:

وأذان عطف على براءة عن الزجاج وقيل إن تقديره عليكم أذان لأن فيه معنى الأمر فيكون مبتدأ وخبره محذوف عن علي بن عيسى ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر قوله ﴿أن الله بريء﴾ على حذف الباء كأنه قال بأن الله وعلى الوجهين الأولين يكون موضع أن نصبا على أنه مفعول له وقوله ﴿الذين عاهدتم﴾ في موضع نصب على الاستثناء وبشر معطوف على معنى الأذان أي أذن وبشر عن أبي مسلم.

المعنى:

ثم بين سبحانه أنه يجب إعلام المشركين ببراءة منهم لئلا ينسبوا المسلمين إلى الغدر قال ﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس﴾ معناه وإعلام وفيه معنى الأمر أي أذنوا الناس يعني أهل العهد وقيل المراد بالناس المؤمن والمشرك لأن الكل داخلون في هذا الإعلام وقوله ﴿إلى الناس﴾ أي للناس يقال هذا إعلام لك وإليك ﴿يوم الحج الأكبر﴾ فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه يوم عرفة عن عمر وسعيد بن المسيب وعطا وطاووس ومجاهد وروي ذلك عن علي (عليه السلام) ورواه المسور بن مخزمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال عطا الحج الأكبر الذي فيه الوقوف والحج الأصغر الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة (وثانيها) أنه يوم النحر عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وابن زيد والنخعي ومجاهد والشعبي والسدي وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ورواه ابن أبي أوفى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال الحسن وسمي الحج الأكبر لأنه حج فيه المشركون والمسلمون ولم يحج بعدها مشرك (وثالثها) أنه جميع أيام الحج عن مجاهد أيضا وسفيان فمعناه أيام الحج كلها كما يقال يوم الجمل ويوم صفين ويوم بعاث يراد به الحين والزمان لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياما ﴿أن الله بريء من المشركين﴾ أي من عهد المشركين فحذف المضاف ﴿ورسوله﴾ معناه ورسوله أيضا بريء منه وقيل إن البراءة الأولى لنقض العهد والبراءة الثانية لقطع الموالاة والإحسان فليس بتكرار ﴿فإن تبتم فهو خير لكم﴾ معناه فإن تبتم في هذه المدة أيها المشركون ورجعتم عن الشرك إلى توحيد الله فهو خير لكم من الإقامة على الشرك لأنكم تنجون به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ﴿وإن توليتم﴾ عن الإيمان وصبرتم على الكفر ﴿فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ أي لا تعجزونه عن تعذيبكم ولا تفوتون بأنفسكم من أن يحل بكم عذابه في الدنيا وفي هذا إعلام بأن الإمهال ليس بعجز وإنما هو لإظهار الحجة والمصلحة ثم أوعدهم بعذاب الآخرة فقال ﴿وبشر الذين كفروا بعذاب أليم﴾ أي أخبرهم مكان البشارة بعذاب موجع وهو عذاب النار في الآخرة ﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين﴾ قال الفراء استثنى الله تعالى من براءته وبراءة رسوله من المشركين قوما من بني كنانة وبني ضمرة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر أمر بإتمامها لهم لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ولم ينقضوا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال ابن عباس عنى به كل من كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عهد قبل براءة وينبغي أن يكون ابن عباس أراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة ولم يتعرض له بعداوة ولا ظاهر عليه عدوا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) صالح أهل هجر وأهل البحرين وإيلة ودومة الجندل وله عهود بالصلح والجزية ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ولا حاربهم بعد وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ووفى لهم بذلك من بعده ﴿ثم لم ينقصوكم شيئا﴾ معناه لم ينقصوكم من شروط الهدنة شيئا وقيل معناه لم يضروكم شيئا ﴿ولم يظاهروا عليكم أحدا﴾ أي لم يعاونوا عليكم أيها المؤمنون أحدا من أعدائكم ﴿فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم﴾ أي إلي انقضاء مدتهم التي وقعت المعاهدة بينكم إليها ﴿إن الله يحب المتقين﴾ لنقض العهود.