الآيات 76-78

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿76﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿77﴾ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴿78﴾

الإعراب:

﴿حق جهاده﴾ منصوب على المصدر لأنه مضاف إلى المصدر ﴿من حرج﴾ من مزيدة أي ما جعل عليكم حرجا ﴿ملة أبيكم﴾ منصوبة بإضمار فعل تقديره واتبعوا والزموا ملة أبيكم لأن قبله ﴿جاهدوا في الله حق جهاده﴾ قال المبرد عليكم ملة أبيكم وقال الزجاج وجائز أن يكون منصوبا على تقدير وافعلوا الخير فعل أبيكم.

المعنى:

لما وصف الله سبحانه نفسه بأنه سميع بصير عقبه بقوله ﴿يعلم ما بين أيديهم﴾ يعني ما بين أيدي الخلائق من القيامة وأحوالها وما يكون في مستقبل أحوالهم ﴿وما خلفهم﴾ أي وما يخلفونه من دنياهم وقيل يعلم ما بين أيديهم أي أول أعمالهم وما خلفهم آخر أعمالهم عن الحسن وقيل معناه يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء وما يكون بعد خلقهم عن علي بن عيسى ﴿وإلى الله ترجع الأمور﴾ يوم القيامة فلا يكون لأحد أمر ولا نهي ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا﴾ أي صلوا ﴿واعبدوا ربكم﴾ بفعل ما تعبدكم به من العبادات ﴿وافعلوا الخير﴾ قال ابن عباس يريد صلة الرحم ومكارم الأخلاق ومعناه لا تقتصروا على فعل الصلاة والواجبات من العبادات وافعلوا غيرها من أنواع البر من إغاثة الملهوف وإعانة الضعيف وبر الوالدين وما جانسها ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي لكي تفلحوا وتسعدوا ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده﴾ أكثر المفسرين حملوا الجهاد هاهنا على جميع أعمال الطاعة وقالوا حق الجهاد أن يكون بنية صادقة خالصة لله تعالى وقال السدي هو أن يطاع فلا يعصى وقال الضحاك معناه جاهدوا بالسيف من كفر بالله وإن كانوا الآباء والأبناء وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال هو مجاهدة الهوى والنفس ﴿هو اجتباكم﴾ أي اختاركم واصطفاكم لدينه ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ أي من ضيق لا مخرج منه ولا مخلص من عقابه بل جعل التوبة والكفارات ورد المظالم مخلصا من الذنوب فليس في دين الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من العقاب به فلا عذر لأحد في ترك الاستعداد للقيامة وقيل معناه أن الله سبحانه لم يضيق عليكم أمر الدين فلن يكلفكم ما لا تطيقون بل كلف دون الوسع فلا عذر لكم في تركه وقيل أنه يعني الرخص عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة عن الكلبي ومقاتل واختاره الزجاج ﴿ملة أبيكم إبراهيم﴾ أي دينه لأن ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما سماه أبا للجميع لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد كما قال وأزواجه أمهاتهم عن الحسن وقيل إن العرب من ولد إسماعيل وأكثر العجم من ولد إسحاق وهما ابنا إبراهيم فالغالب عليهم أنهم أولاده ﴿هو سماكم المسلمين﴾ أي الله سماكم المسلمين عن ابن عباس ومجاهد وقيل هو كناية عن إبراهيم عن ابن زيد قال ويدل عليه قوله ﴿ومن ذريتنا أمة مسلمة لك﴾ ﴿من قبل﴾ أي من قبل إنزال القرآن ﴿وفي هذا﴾ أي وفي هذا القرآن ﴿ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس﴾ أي ليكون محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شهيدا عليكم بالطاعة والقبول فإذا شهد لكم به صرتم عدولا تشهدون على الأمم الماضية بأن الرسل قد بلغوهم رسالة ربهم وأنهم لم يقبلوا فيوجب لكافرهم النار ولمؤمنهم الجنة بشهادتكم وهذا من أشرف المراتب وهو مثل قوله ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾ الآية وقيل معناه ليكون الرسول شهيدا عليكم في إبلاغ رسالة ربه إليكم وتكونوا شهداء على الناس بعده بأن تبلغوا إليهم ما بلغه الرسول إليكم ﴿فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ قال قتادة فريضتان واجبتان افترضهما الله عليكم فأدوهما إلى الله وروى عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة ﴿واعتصموا بالله﴾ أي تمسكوا بدين الله عن الحسن وقيل معناه امتنعوا بطاعته عن معصيته وقيل امتنعوا بالله من أعدائكم أي اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون وقيل ثقوا بالله وتوكلوا عليه عن مقاتل ﴿هو مولاكم﴾ أي وليكم وناصركم والمتولي لأموركم ومالككم ﴿فنعم المولى﴾ هو لمن تولاه ﴿ونعم النصير﴾ هو لمن استنصره وقيل فنعم المولى إذ لم يمنعكم الرزق حين عصيتموه ونعم النصير إذا أعانكم لما أطعتموه.