الآيات 46-51

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴿46﴾ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿47﴾ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴿48﴾ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿49﴾ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿50﴾ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿51﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة غير عاصم مما يعدون بالياء والباقون بالتاء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو معجزين بالتشديد وفي سبإ أيضا في موضعين والباقون ﴿معاجزين﴾ بالألف في السورتين.

الحجة:

حجة من قرأ يعدون بالياء أن قبله ﴿يستعجلونك﴾ وحجة من قرأ بالتاء أن ذلك أعم وقوله ﴿معاجزين﴾ أي ظانين ومقدرين أن يعجزونا لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فهو كقوله أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ومعجزين ينسبون من تبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العجز نحو جهلته نسبته إلى الجهل وروي عن مجاهد أنه فسر معجزين مثبطين أي يثبطون الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

المعنى:

ثم حث سبحانه على الاعتبار بحال من مضى من القرون المكذبة لرسلهم فقال ﴿أفلم يسيروا في الأرض﴾ أي أولم يسر قومك يا محمد في أرض اليمن والشام عن ابن عباس ﴿فتكون لهم قلوب يعقلون بها﴾ أي يعلمون بها ما يرون من العبر والمعنى فيعقلون بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم ﴿أو آذان يسمعون بها﴾ إخبار الأمم المكذبة ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ الهاء في أنها ضمير القصة والجملة بعدها تفسيرها قال الزجاج وقوله ﴿التي في الصدور﴾ من التوكيد الذي يريده العرب في الكلام كقوله عشرة كاملة وقوله يقولون بأفواههم وقوله يطير بجناحيه وقيل إنه إنما ذكر ذلك لئلا يتوهم إلى غير معنى القلب نحو قلب النخلة فيكون أنفى للبس بتجوز الاشتراك وكذلك قوله يقولون بأفواههم لأن القول قد يكون بغير الفم والمعنى أن الأبصار وإن كانت عمياء فلا تكون في الحقيقة كذلك إذا كان أصحابها عارفين بالحق وإنما يكون العمى عمي القلب الذي يقع معه الجحود بوحدانية الله ﴿ويستعجلونك﴾ يا محمد ﴿بالعذاب﴾ أن ينزل بهم ويستبطنونه ﴿ولن يخلف الله وعده﴾ أي في إنزال العذاب بهم قال ابن عباس يعني يوم بدر ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ اختلف في معناه على وجوه (أحدها) أن يوما من أيام الآخرة يكون كألف سنة من أيام الدنيا عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وابن زيد وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه أراد أن يوما من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض كألف سنة ويدل عليه ما روي أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام ويكون المعنى على هذا أنهم يستعجلون العذاب وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة (وثانيها) أن المعنى وأن يوما عند ربك وألف سنة في قدرته واحد فلا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وبين تأخره في القدرة إلا أنه سبحانه تفضل بالإمهال إذ لا يفوته شيء عن الزجاج وهو معنى قول ابن عباس في رواية عطا (وثالثها) أن يوما واحدا كألف سنة في مقدار العذاب لشدته وعظمته كمقدار عذاب ألف سنة من أيام الدنيا على الحقيقة وكذلك نعيم الجنة لأنه يكون في مقدار يوم من أيام الجنة من النعيم والسرور مثل ما يكون في ألف سنة من أيام الدنيا لو بقي منعم فيها ثم الكافر يستعجل ذلك العذاب لجهله عن الجبائي وهذا كما يقال في المثل أيام السرور قصار وأيام الهموم طوال وقال الشاعر:

يطول اليوم لا ألقاك فيه

وحول نلتقي فيه قصير

وقال:

تطاولن أيام معن بنا

فيوم كشهرين إذ يستهل

وقال جرير:

ويوم كأبهام الحبارى لهوته

ثم أعلم سبحانه أنه أخذ قوما بعد الإملاء والإمهال فقال ﴿وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة﴾ مستحقة لتعجيل العقاب ﴿ثم أخذتها﴾ أي أهلكتها ﴿وإلي المصير﴾ لكل أحد ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿قل﴾ لهم ﴿يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين﴾ أي مخوف عن معاصي الله مبين لكم ما يجب عليكم فعله وما يجب عليكم تجنبه ﴿فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة﴾ من الله لمعاصيهم ﴿ورزق كريم﴾ يعني نعيم الجنة فإنه أكرم نعيم في أكرم دار ﴿والذين سعوا في آياتنا﴾ أي بذلوا الجهد في إبطال آياتنا وبالغوا في ذلك وأصل السعي الإسراع في المشي ﴿معاجزين﴾ أي مغالبين عن ابن عباس والمعاجزة محاولة عجز المغالب وقيل مقدرين أنهم يسبقوننا والمعاجزة المسابقة وقيل ظانين أن يعجزوا الله أي يفوتوه ولن يعجزوه عن قتادة وهذا مثل ما تقدم ومن قرأ معجزين فمعناه مثبطين لمن أراد اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مجاهد وقيل قاصدين تعجيز رسولنا وقيل ناسبين من تبعه إلى العجز ﴿أولئك أصحاب الجحيم﴾ أي الملازمون للجحيم أي النار.