الآيات 41-45

الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴿41﴾ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴿42﴾ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴿43﴾ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿44﴾ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴿45﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة أهلكتها بالتاء والباقون ﴿أهلكناها﴾ والمعنى واحد.

اللغة:

يقال خوت الدار خواء ممدودا فهي خاوية وخوى جوف الإنسان من الطعام خوى مقصورا فهو خوي والتعطيل إبطال العمل بالشيء ولهذا يقال للدهري معطل لأنه أبطل العمل بالعلم على مقتضى الحكمة والمشيد المرتفع من الأبنية شاد الرجل بناه يشيده وشيده ويشيده قال عدي بن زيد:

شاده مرمرا وجلله كلسا

فللطير في ذرأه وكور

وقال امرؤ القيس:

وتيماء لم يترك بها جذع نخلة

ولا أطمأ إلا مشيدا بجندل

وقيل المشيد المجصص والمبني بالشيد والشيد الجص والجيار والجيار الصاروج.

المعنى:

ثم وصف سبحانه من ذكرهم من المهاجرين فقال ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ والتمكين إعطاء ما يصح معه الفعل فإن كان الفعل لا يصح إلا بآلة فالتمكين إعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة وكذلك إن كان لا يصح الفعل إلا بعلم ونصب ودلالة واضحة وسلامة ولطف وغير ذلك فالتمكين إعطاء جميع ذلك وإن كان الفعل يكفي في صحة وجوده مجرد القدرة فخلق القدرة التمكين فالمعنى الذين أعطيناهم ما به يصح الفعل منهم وسلطناهم في الأرض أدوا الصلاة بحقوقها وأعطوا ما افترض الله عليهم من الزكاة ﴿وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر﴾ وهذا يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمعروف هو الحق لأنه يعرف صحته والمنكر هو الباطل لأنه لا يمكن معرفة صحته قال الزجاج هذه صفة من في قوله من ينصره وقال الحسن وعكرمة هم هذه الأمة وقال أبو جعفر (عليه السلام) نحن هم والله ﴿و لله عاقبة الأمور﴾ هو كقوله وإلى الله ترجع الأمور ومعناه أنه يبطل كل ملك سوى ملكه فتصير الأمور إليه بلا مانع ولا منازع ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تكذيبهم إياه وخوف مكذبيه بذكر من كذبوا أنبيائهم فأهلكوا فقال ﴿وإن يكذبوك﴾ يا محمد ﴿فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين﴾ كل أمة من هؤلاء الأمم فقد كذبت نبيها ثم قال ﴿وكذب موسى﴾ ولم يقل وقوم موسى لأن قومه بنو إسرائيل وكانوا آمنوا به وإنما كذبه فرعون وقومه ﴿فأمليت للكافرين﴾ أي أخرت عقوبتهم وأمهلتهم يقال أملى الله لفلان في العمر إذا أخر عنه أجله ﴿ثم أخذتهم﴾ أي بالعذاب ﴿فكيف كان نكير﴾ استفهام معناه التقرير أي فكيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب فأبدلتهم بالنعمة نقمة وبالحياة هلاكا قال الزجاج المعنى ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار ثم ذكر سبحانه كيف عذب المكذبين فقال ﴿فكأين من قرية أهلكناها﴾ أي وكم من قرى أهلكناها وأخذناها والاختيار التاء وذلك لقوله ﴿فأمليت﴾ ﴿وهي ظالمة﴾ أي وأهلها ظالمون بالتكذيب والكفر ﴿فهي خاوية على عروشها﴾ أي خالية من أهلها ساقطة على سقوفها ﴿وبئر معطلة﴾ عطف على قوله ﴿من قرية﴾ أي وكم من بئر بار أهلها وغار ماؤها وتعطلت من دلائها فلا مستقي منها ولا وارد لها ﴿وقصر مشيد﴾ أي وكم من قصر رفيع مجصص تداعى الخراب بهلاك أهله فلم يبق فيه داع ولا مجيب وأصحاب الآبار ملوك البدو وأصحاب القصور ملوك الحضر وفي تفسير أهل البيت (عليهم السلام) في قوله ﴿وبئر معطلة﴾ أن المعنى وكم من عالم لا يرجع إليه ولا ينتفع بعلمه وقال الضحاك هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضور أنزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ومعهم صالح فلما حضروا مات صالح فسمي المكان حضرموت ثم إنهم كثروا فكفروا وعبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة فقتلوه في السوق فأهلكهم الله فماتوا عن آخرهم وعطلت بئرهم وخرب قصر ملكهم.