الآيات 19-24

هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿19﴾ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴿20﴾ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴿21﴾ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿22﴾ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴿23﴾ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴿24﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وعاصم ﴿و لؤلؤا﴾ بالنصب وفي سورة فاطر مثله والباقون بالجر في الموضعين إلا يعقوب فإنه قرأ هاهنا بالنصب وفي فاطر بالجر وترك أبو جعفر وأبو بكر وشجاع الهمزة الأولى منه في جميع القرآن وفي الشواذ قراءة ابن عباس يحلون بفتح الياء وتخفيف اللام.

الحجة:

قال أبو علي وجه الجر في لؤلؤ أنهم يحلون فيها من أساور من ذهب ومن لؤلؤ ووجه النصب أنه على ويحلون لؤلؤا ويجوز أن يكون عطفا على موضع الجار والمجرور لأن المعنى في يحلون فيها من أساور يحلون أساور وقال ابن جني يحلون من حلي يحلى يقال لم أحل منه بطائل أي لم أظفر ويجوز أن يكون من قولهم امرأة حالية أي ذات حلي.

اللغة:

الخصم يستوي فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى يقال رجل خصم ورجلان خصم ورجال خصم ونساء خصم وقد يجوز في الكلام هذان خصمان اختصموا وهؤلاء خصم اختصموا قال الله تعالى ﴿وهل أتيك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب﴾ وهكذا حكم المصادر إذا وصف بها أو أخبر بها نحو عدل ورضى وصوم وفطر وزور وحري وقمن وما أشبه ذلك وإنما قال في الآية خصمان لأنهما جمعان وليسا برجلين ومثله وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا والحميم الماء المغلى والصهر الإذابة يقال صهرته فانصهر قال:

تروي لقي ألقي في صفصف

تصهره الشمس فما ينصهر

يعني ولدها والمقامع جمع مقمعة وهي مدقة الرأس من قمعه قمعا إذا ردعه والحريق بمعنى المحرق كالأليم والأساور جمع أسوار وفيه ثلاث لغات أسوار بالألف وسوار وسوار بالكسر والضم والجمع أسورة.

النزول:

قيل نزلت الآية ﴿هذان خصمان اختصموا﴾ في ستة نفر من المؤمنين والكفار تبارزوا يوم بدر وهم حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قتل الوليد بن عتبة وعبيدة بن الحرث بن عبد المطلب قتل شيبة بن ربيعة عن أبي ذر الغفاري وعطا وكان أبو ذر يقسم بالله تعالى أنها نزلت فيهم ورواه البخاري في الصحيح وقيل نزلت في أهل القرآن وأهل الكتاب عن ابن عباس وقيل في المؤمنين والكافرين عن الحسن ومجاهد والكلبي وهذا قول أبي ذر إلا أن هؤلاء لم يذكروا يوم بدر.

المعنى:

لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين بين سبحانه ما أعده لكل واحد من الفريقين فقال ﴿هذان خصمان﴾ أي جمعان فالفرق الخمسة الكافرة خصم والمؤمنون خصم وقد ذكروا في قوله ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين﴾ الآية ﴿اختصموا في ربهم﴾ أي في دين ربهم فقالت اليهود والنصارى للمسلمين نحن أولى بالله منكم لأن نبينا قبل نبيكم وديننا قبل دينكم وقال المسلمون بل نحن أحق بالله منكم آمنا بكتابنا وكتابكم ونبينا ونبيكم وكفرتم أنتم بنبينا حسدا فكان هذا خصومتهم وقيل إن معنى اختصموا اقتتلوا يوم بدر ﴿فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار﴾ قال ابن عباس حين صاروا إلى جهنم لبسوا مقطعات النيران وهي الثياب القصار وقيل يجعل لهم ثياب نحاس من نار وهي أشد ما تكون حرا عن سعيد بن جبير وقيل أن النار تحيط بهم كإحاطة اللثياب التي يلبسونها بهم ﴿يصب من فوق رءوسهم الحميم﴾ أي الماء المغلى فيذيب في ما بطونهم من الشحوم وتساقط الجلود وفي خبر مرفوع أنه يصب على رءوسهم الحميم فينفذ إلى أجوافهم فيسلت ما فيها ﴿يصهر به ما في بطونهم والجلود﴾ أي يذاب وينضج بذلك الحميم ما فيها من الأمعاء وتذاب به الجلود ﴿ولهم مقامع من حديد﴾ قال الليث المقمعة شبه الجرز من الحديد يضرب بها الرأس وروى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله ﴿ولهم مقامع من حديد﴾ لو وضع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض وقال الحسن إن النار ترميهم بلهبها حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة فذلك قوله ﴿كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها﴾ أي كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفسهم حين ليس لها مخرج ردوا إليها بالمقامع ﴿وذوقوا عذاب الحريق﴾ أي ويقال لهم ذوقوا والذوق طلب إدراك الطعم والحريق الاسم من الاحتراق قال الزجاج هذا لأحد الخصمين وقال في الخصم الذين هم المؤمنون ﴿إن الله يدخل الذين آمنوا﴾ بالله وأقروا بوحدانيته ﴿وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ أي من تحت أبنيتها وأشجارها ﴿يحلون فيها﴾ أي يلبسون الحلي فيها ﴿من أساور﴾ وهي حلي اليد ﴿من ذهب ولؤلؤا﴾ أي ومن لؤلؤ ﴿ولباسهم فيها حرير﴾ أي ديباج حرم الله سبحانه لبس الحرير على الرجال في الدنيا وشوقهم إليه في الآخرة فأخبر أن لباسهم في الجنة حرير ﴿وهدوا إلى الطيب من القول﴾ أي أرشدوا في الجنة إلى التحيات الحسنة يحيي بعضهم بعضا ويحييهم الله وملائكته بها وقيل معناه أرشدوا إلى شهادة أن لا إله إلا الله والحمد لله عن ابن عباس وزاد ابن زيد والله أكبر وقيل أرشدوا إلى القرآن عن السدي وقيل إلى القول الذي يتلذونه ويشتهونه وتطيب به نفوسهم وقيل إلى ذكر الله فهم به يتنعمون ﴿وهدوا إلى صراط الحميد﴾ والحميد هو الله المستحق للحمد المستحمد إلى عباده بنعمه عن الحسن أي الطالب منهم أن يحمدوه وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال ما أحد أحب إليه الحمد من الله عز ذكره وصراط الحميد هو طريق الإسلام وطريق الجنة.