الآيات 11-24

إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴿11﴾ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴿12﴾ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴿16﴾ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴿17﴾ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴿18﴾ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ ﴿19﴾ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ ﴿20﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴿21﴾ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴿22﴾ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴿23﴾ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴿24﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير في رواية القواس وتعيها بسكون العين مختلسا وهو بين الكسر والسكون والباقون بكسر العين وقرأ حمزة والكسائي لا يخفى بالياء والباقون بالتاء.

الحجة:

الوجه في سكون العين من تعيها إنه جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة فخذ فأسكن لأن حرف المضارعة لا تنفصل من الفعل فصار كقولك فهو وفهي والياء والتاء في قوله لا يخفى حسن.

اللغة:

الجارية السفينة التي من شأنها أن تجري على الماء والجارية المرأة الشابة لأنه يجري فيها ماء الشباب يقال وعيت العلم أعيه وعيا وأوعيت المتاع جعلته في الوعاء قال:

إذا لم تكن حافظا واعيا

فجمعك للكتب لا ينفع

والدك البسط ومنه الدكان واندك سنام البعير إذا انفرش على ظهره والأرجاء النواحي واحدها رجا مقصور والتثنية رجوان وهاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم تقول للواحد هاء يا رجل وللاثنين هاؤما يا رجلان وللجماعة هاؤم يا رجال وللمرأة هاء يا امرأة بكسر الهمزة وليس بعدها ياء وللمرأتين هاؤما وللنساء هاؤن هذه لغة أهل الحجاز وتميم وقيس يقولون هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز وللاثنين هاء وللجماعة هاؤا وللمرأة هائي وللنساء هان وبعض العرب يجعل مكان الهمزة كافأ فيقول هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكن ومعناه خذ وتناول ويؤمر بها ولا ينهى ووقف الكسائي على هاؤم وابتدأ ﴿اقرأوا كتابيه﴾ إعلاما منه أنه لا يذهب إلى إعمال الفعل الأول وإنما العمل للثاني والراضية المرضية فاعلة بمعنى مفعول لأنها في معنى ذات رضى كما قيل لابن وتأمر أي ذو لبن وذو تمر قال النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

يعني ذو نصب فكان العيشة أعطيت حتى رضيت لأنها بمنزلة الطالبة كما أن الشهوة بمنزلة الطالبة للمشتهي وقيل هو مثل ليل نائم وسر كاتم وماء دافق على وجه المبالغة في الصفة من غير التباس في المعنى والقطوف جمع قطف وهو ما يقطف من الثمر والقطف بالفتح المصدر.

الإعراب:

كتابي مفعول اقرأوا لأنه يليه ﴿قطوفها دانية﴾ جملة مجرورة الموضع لأنها صفة جنة.

المعنى:

ثم بين سبحانه قصة نوح (عليه السلام) فقال ﴿إنا لما طغى الماء﴾ أي جاوز الحد المعروف حتى غرقت الأرض بمن عليها إلا من شاء الله نجاته ﴿حملناكم في الجارية﴾ أي حملنا آباءكم في السفينة عن ابن عباس وابن زيد ﴿لنجعلها لكم تذكرة﴾ أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح ونجاة من حملناه عبرة لكم وموعظة تتذكرون بها نعم الله تعالى وتشكرونه عليها وتتفكرون فيها فتعرفون كمال قدرته وحكمته ﴿وتعيها أذن واعية﴾ أي وتحفظها أذن حافظة لما جاء من عند الله عن ابن عباس وقيل سامعة قائلة لما سمعت عن قتادة وقال الفراء لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعد وروى الطبري بإسناده عن مكحول أنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم اجعلها أذن علي ثم قال علي (عليه السلام) فما سمعت شيئا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسيته وروى بإسناده عن عكرمة عن بريدة الأسلمي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام) يا علي إن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي فنزل ﴿و تعيها أذن واعية﴾ أخبرني فيما كتب بخطه إلي المفيد أبو الوفاء عبد الجبار عبد الله بن علي الرازي قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي والرئيس أبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد الكاتب والشيخ أبو عبد الله حسن بن أحمد بن حبيب الفارسي قالوا حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد الجرجاني قال سمعت أبا عمرو عثمان بن خطاب المعمر المعروف بأبي الدنيا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول لما نزلت ﴿وتعيها أذن واعية﴾ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي ﴿فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة﴾ وهي النفخة الأولى عن عطا والنفخة الأخيرة عن مقاتل والكلبي ﴿وحملت الأرض والجبال﴾ أي رفعت من أماكنها ﴿فدكتا دكة واحدة﴾ أي كسرتا كسرة واحدة لا تثنى حتى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود وقيل ضرب بعضها ببعض حتى تفتت الجبال وسفتها الرياح وبقيت الأرض شيئا واحدا لا جبل فيها ولا رابية بل تكون قطعة مستوية وإنما قال دكتا لأنه جعل الأرض جملة واحدة والجبال دكة واحدة ﴿فيومئذ وقعت الواقعة﴾ أي قامت القيامة ﴿وانشقت السماء﴾ أي انفرج بعضها من بعض ﴿فهي يومئذ واهية﴾ أي شديدة الضعف بانتقاض بنيتها وقيل هو أن السماء تنشق بعد صلابتها فتصير بمنزلة الصوف في الوهي والضعف ﴿والملك على أرجائها﴾ أي على أطرافها ونواحيها عن الحسن وقتادة والملك اسم يقع على الواحد والجمع والسماء مكان الملائكة فإذا وهت صارت في نواحيها وقيل إن الملائكة يومئذ على جوانب السماء تنتظر ما يؤمر به في أهل النار من السوق إليها وفي أهل الجنة من التحية والتكرمة فيها ﴿ويحمل عرش ربك فوقهم﴾ يعني فوق الخلائق ﴿يومئذ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ثمانية﴾ من الملائكة عن ابن زيد وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة آخرين فيكونون ثمانية وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى عن ابن عباس ﴿يومئذ تعرضون﴾ يعني يوم القيامة تعرضون معاشر المكلفين ﴿لا تخفى منكم خافية﴾ أي نفس خافية أو فعلة خافية وقيل الخافية مصدر أي خافية أحد وروي في الخبر عن ابن مسعود وقتادة أن الخلق يعرضون ثلاث عرضات ثنتان فيها معاذير وجدال والثالثة تطير الصحف في الأيدي فأخذ بيمينه وآخذ بشماله وليس يعرض الله الخلق ليعلم من حالهم ما لم يعلمه فإنه عز اسمه العالم لذاته يعلم جميع ما كان منهم ولكن ليظهر ذلك لخلقه ثم قسم سبحانه حال المكلفين في ذلك اليوم فقال ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول﴾ لأهل القيامة ﴿هاؤم﴾ أي تعالوا ﴿اقرأوا كتابيه﴾ وإنما يقوله سرورا به لعلمه بأنه ليس فيه إلا الطاعات فلا يستحيي أن ينظر فيه غيره وأهل اللغة يقولون إن معنى هاؤم خذوا ﴿إني ظننت﴾ أي علمت وأيقنت في الدنيا ﴿إني ملاق حسابيه﴾ والهاء لنظم رءوس الآي وهي هاء الاستراحة والمعنى إني كنت مستيقنا في دار الدنيا بأني ألقى حسابي يوم القيامة عالما بأني أجازي على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب فكنت أعمل بما أصل به إلى هذه المثوبة ﴿فهو في عيشة راضية﴾ أي في حالة من العيش راضية يرضاها بأن لقي الثواب وآمن العقاب ﴿في جنة عالية﴾ أي رفيعة القدر والمكان ﴿قطوفها دانية﴾ أي ثمارها قريبة ممن يتناولها قال البراء بن عازب يتناول الرجل من الثمرة وهو نائم وقد ورد في الخبر عن عطاء بن يسار عن سلمان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدخل الجنة أحدكم إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية وقيل معناه لا يرد أيديهم عن ثمرها بعد ولا شوك عن قتادة ﴿كلوا واشربوا﴾ أي يقال لهم كلوا واشربوا في الجنة ﴿هنيئا بما أسلفتم﴾ أي قدمتم من أعمالكم الصالحة ﴿في الأيام الخالية﴾ الماضية يعني أيام الدنيا ويعني بقوله ﴿هنيئا﴾ إنه ليس فيه ما يؤذي فلا يحتاج فيه إلى إخراج فصل بغائط أو بول.