الآيات 6-10
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿6﴾ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴿7﴾ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿8﴾ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿9﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿10﴾
القراءة:
قرأ رويس عن يعقوب يوم نجمعكم بالنون والباقون بالياء وقرأ أهل المدينة وابن عامر نكفر عنه وندخله بالنون فيهما والباقون بالياء.
الحجة:
حجة الياء أن الاسم الظاهر قد تقدم ووجه النون أنه كقوله ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ ثم جاء وآتينا موسى الكتاب.
الإعراب:
﴿ذلك بأنه﴾ الهاء ضمير الأمر والشأن.
﴿أبشر﴾ مبتدأ وإنما جاز أن يكون مبتدأ مع كونه نكرة لأن الاستفهام سوغ ذلك كما أن النفي أيضا كذلك لكونهما غير موجبين يقال أرجل في الدار أم امرأة ولا رجل في الدار ولا امرأة وقيل أنه فاعل فعل مضمر يفسره قوله ﴿يهدوننا﴾ كأنه قال أ يهدينا بشر يهدوننا وإنما أضمر لأن الاستفهام بالفعل أولى وقوله ﴿أن لن يبعثوا﴾ تقديره أنهم لن يبعثوا فسدت الجملة عن المفعولين بما جرى فيها من ذكر الحديث والمحدث عنه ولما كان لن في ﴿لن يبعثوا﴾ دليل الاستقبال تعينت أن قبلها لأن تكون مخففة من الثقيلة لأن لن يمنعها من أن تكون ناصبة للفعل يوم نجمعكم ظرف لتبعثن.
المعنى:
لما قرر سبحانه خلقه بأنهم أتيهم أخبار من مضى من الكفار وإهلاكهم عقبه ببيان سبب إهلاكهم فقال ﴿ذلك﴾ أي ذلك العذاب الذي نالهم في الدنيا والذي ينالهم في الآخرة ﴿بأنه كانت تأتيهم﴾ أي بسبب أنه كانت تجيئهم ﴿رسلهم﴾ من عند الله ﴿بالبينات﴾ أي بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات ﴿فقالوا﴾ لهم ﴿أبشر يهدوننا﴾ لفظه واحد والمراد به الجمع على طريق الجنس بدلالة قوله ﴿يهدوننا﴾ والمعنى أخلق مثلنا يهدوننا إلى الحق ويدعوننا إلى غير دين آبائنا استصغارا منهم للبشر أن يكونوا رسلا من الله إلى أمثالهم واستكبارا وأنفة من اتباعهم ﴿فكفروا﴾ بالله وجحدوا رسله ﴿وتولوا﴾ أي أعرضوا عن القبول منهم والتفكر في آياتهم ﴿واستغنى الله﴾ بسلطانه عن طاعة عباده وإنما كلفهم لنفعهم لا لحاجة منه إلى عبادتهم وقيل معناه واستغنى الله بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد وتهدي إلى الإيمان ﴿والله غني حميد﴾ أي غني عن أعمالكم مستحمد إليكم بما ينعم به عليكم وقيل حميد أي محمود في جميع أفعاله لأنها كلها إحسان ثم حكى سبحانه ما يقوله الكفار فقال ﴿زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا﴾ قال ابن عمر زعم زاملة الكذب وقال شريح زعم كنية الكذب بين الله سبحانه بعض ما لأجله اختاروا الكفر على الإيمان وهو أنهم كانوا لا يقرون بالبعث والنشور فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يكذبهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿بلى وربي﴾ أي وحق ربي على وجه القسم ﴿لتبعثن﴾ أي لتحشرن أكد تكذيبهم بقوله ﴿بلى﴾ وباليمين ثم أكد اليمين باللام والنون ﴿ثم لتنبؤن بما عملتم﴾ أي لتخبرن وتحاسبن بأعمالكم وتجازون عليها ﴿وذلك﴾ البعث والحساب مع الجمع والجزاء ﴿على الله يسير﴾ أي سهل هين لا يلحقه مشقة ولا معاناة فيه ﴿فآمنوا﴾ معاشر العقلاء ﴿بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا﴾ وهو القرآن سماه نورا لما فيه من الأدلة والحجج الموصلة إلى الحق فشبه بالنور الذي يهتدى به إلى الطريق ﴿والله بما تعملون خبير﴾ أي عليم ﴿يوم يجمعكم ليوم الجمع﴾ وهو يوم القيامة أي ذلك البعث والجزاء يكون في يوم يجمع فيه خلق الأولين والآخرين ﴿ذلك يوم التغابن﴾ وهو تفاعل من الغبن وهو أخذ شر وترك خير أو أخذ خير وترك شر فالمؤمن ترك حظه من الدنيا وأخذ حظه من الآخرة فترك ما هو شر له وأخذ ما هو خير له فكان غابنا والكافر ترك حظه من الآخرة وأخذ حظه من الدنيا فترك الخير وأخذ الشر فكان مغبونا فيظهر في ذلك اليوم الغابن والمغبون وقيل يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار عن قتادة ومجاهد وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير هذا قوله ما من عبد مؤمن يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة ﴿ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته﴾ أي معاصيه ﴿و يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا﴾ أي مؤبدين فيها ولا يفنى ما هم فيه من النعيم أبدا ﴿ذلك الفوز العظيم﴾ أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من العظمة ﴿والذين كفروا﴾ بالله ﴿وكذبوا بآياتنا﴾ أي بحججنا ودلائلنا ﴿أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير﴾ أي المال والمرجع.