الآيات 6-11

قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿6﴾ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿7﴾ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿8﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿9﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿10﴾ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿11﴾

اللغة:

الزعم قول عن ظن أو علم ولذلك صار من باب الظن والعلم وعمل ذلك العمل قال:

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم

فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

والأولياء جمع ولي وهو الحقيق بالنصرة التي يوليها عند الحاجة والله ولي المؤمنين لأنه يوليهم النصرة عند حاجتهم والمؤمن ولي الله لهذه العلة ويجوز أن يكون لأنه يولي المطيع له نصرة عند حاجته والتمني هو قول القائل لما كان ليته لم يكن ولما لم يكن ليته كان فهو يتعلق بالماضي والمستقبل وهو من جنس الكلام عن الجبائي والقاضي وقال أبو هاشم هو معنى في النفس يوافق هذا القول والجمعة والجمعة لغتان وجمعها جمع وجمعات قال الفراء وفيها لغة ثالثة جمعة بفتح الميم كضحكة وهمزة وإنما سمي جمعة لأنه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء فاجتمعت فيه المخلوقات وقيل لأنه تجتمع فيه الجماعات وقيل إن أول من سماها جمعة كعب بن لؤي وهو أول من قال أما بعد وكان يقال للجمعة العروبة عن أبي سلمة وقيل إن أول من سماها جمعة الأنصار قال ابن سيرين جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وقيل قبل أن تنزل الجمعة قالت الأنصار لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى يوم أيضا مثل ذلك فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله عز وجل ونشكره وكما قالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ وذكرهم فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة وذلك لقلتهم فأنزل الله تعالى في ذلك ﴿إذا نودي للصلوة﴾ الآية فهذه أول جمعة جمعت في الإسلام فأما أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه فقيل إنه قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مهاجرا حتى نزل قبا على عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين الضحى فأقام بقبا يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجد وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام فخطب في هذه الجمعة وهي أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت وحين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد والذي صدق قوله ونجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعلموا لما بعد اليوم فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة.

النزول:

قال جابر بن عبد الله أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا﴾ وقال الحسن وأبو مالك أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا رهط فنزلت الآية فقال والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا وقال المقاتلان بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبي ثم أحد بني الخزرج ثم أحد بني زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أو بر أو غيره فينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر يخطب فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لا هؤلاء لسموت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الآية وقيل لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط عن الكلبي عن ابن عباس وقيل إلا أحد عشر رجلا عن ابن كيسان وقيل إنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل يوم مرة لعير تقدم من الشام وكل ذلك يوافق يوم الجمعة عن قتادة ومقاتل.

المعنى:

لما تقدم ذكر اليهود في إنكارهم ما في التوراة أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخاطبهم بما يفحمهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿يا أيها الذين هادوا﴾ أي سموا يهودا ﴿إن زعمتم أنكم أولياء لله﴾ أي إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم أنصار الله وأن الله ينصركم ﴿من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾ إنكم أبناء الله وأحباؤه فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه ثم أخبر سبحانه عن حالهم في كذبهم واضطرابهم في دعواهم وأنهم غير واثقين بذلك فقال ﴿ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم﴾ من الكفر والمعاصي ﴿والله عليم بالظالمين﴾ أي عالم بأفعالهم وأحوالهم وقد تقدم تفسير الآيتين في سورة البقرة وفيه معجزة للرسول لأنه أخبر أنهم لا يتمنون الموت أبدا لما يعرفون من صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذبهم فكان الأمر كما قال وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لو تمنوا لماتوا عن آخرهم ﴿قل﴾ يا محمد ﴿إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم﴾ أي إنكم وإن فررتم من الموت وكرهتموه فإنه لا بد ينزل بكم ويلقاكم ويدرككم ولا ينفعكم الهرب منه وإنما قال فإنه ملاقيكم بالفاء سواء فروا منه أو لم يفروا منه فإنه ملاقيهم مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه لأنه إذا كان الفرار بمنزلة السبب في ملاقاته فلا معنى للتعرض للفرار لأنه لا يباعد منه وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله كل امرىء لاق ما يفر منه والأجل مساق النفس والهرب منه موافاته وقال زهير:

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه

ولو نال أسباب السماء بسلم

ولا شك أنها تناله هابها أو لم يهبها ولكنه إذا كانت هيبته بمنزلة السبب للمنية فالهيبة لا معنى لها وقيل إن التقدير قل إن الموت هو الذي تفرون منه فجعل الذي في موضع الخبر لا صفة للموت ويكون ﴿فإنه﴾ مستأنفا ﴿ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة﴾ أي ترجعون إلى الله الذي يعلم سركم وعلانيتكم يوم القيامة ﴿فينبؤكم بما كنتم تعملون﴾ في دار الدنيا ويجازيكم بحسبها ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة﴾ أي إذا أذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وذلك لأنه لم يكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء سواه قال السايب بن زيد كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق ويقال له الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه ﴿فاسعوا إلى ذكر الله﴾ أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين عن قتادة وابن زيد والضحاك وقال الزجاج معناه فامضوا إلى السعي الذي هو الإسراع وقرأ عبد الله بن مسعود فامضوا إلى ذكر الله وروي ذلك عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعمر بن الخطاب وأبي بن كعب ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وقال ابن مسعود لو علمت الإسراع لأسرعت حتى يقع ردائي عن كتفي وقال الحسن ما هو السعي على الأقدام وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وقيل المراد بذكر الله الخطبة التي تتضمن ذكر الله والمواعظ ﴿وذروا البيع﴾ أي دعوا المبايعة قال الحسن كل بيع تفوت فيه الصلاة يوم الجمعة فإنه بيع حرام لا يجوز وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر الآية لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه ﴿ذلكم﴾ يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة واستماع الذكر وأداء الفريضة وترك البيع ﴿خير لكم﴾ وأنفع لكم عاقبة ﴿إن كنتم تعلمون﴾ منافع الأمور ومضارها ومصالح أنفسكم ومفاسدها.

وقيل معناه اعلموا ذلك عن الجبائي وفي هذه الآية دلالة على وجوب الجمعة وفي تحريم جميع التصرفات عند سماع أذان الجمعة لأن البيع إنما خص بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعاش وفيها دلالة على أن الخطاب للأحرار لأن العبد لا يملك البيع وعلى اختصاص الجمعة بمكان ولذلك أوجب السعي إليه وفرض الجمعة لازم جميع المكلفين إلا أصحاب الأعذار من السفر أو المرض أو العمى أو العرج أو أن يكون امرأة أو شيخا هما لا حراك به أو عبدا أو يكون على رأس أكثر من فرسخين من الجامع وعند حصول هذه الشرائط لا يجب إلا عند حضور السلطان العادل أو من نصبه السلطان للصلاة.

والعدد يتكامل عند أهل البيت (عليهم السلام) بسبعة وقيل ينعقد بثلاثة سوى الإمام عن أبي حنيفة والثوري وقيل إنما ينعقد بأربعين رجلا أحرارا بالغين مقيمين عن الشافعي وقيل ينعقد باثنين سوى الإمام عن أبي يوسف وقيل ينعقد بواحد كسائر الجماعات عن الحسن وداود والاختلاف بين الفقهاء في مسائل الجمعة كثير موضعه كتب الفقه ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض﴾ يعني إذا صليتم الجمعة وفرغتم منها فتفرقوا في الأرض ﴿وابتغوا من فضل الله﴾ أي واطلبوا الرزق في البيع والشراء وهذا إباحة وليس بأمر وإيجاب وروي عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في قوله ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا﴾ الآية ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقيل المراد بقوله ﴿وابتغوا من فضل الله﴾ طلب العلم عن الحسن وسعيد بن جبير ومكحول وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت وروى عمرو بن زيد عن أبي عبد الله قال إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال أما تسمع قول الله عز اسمه ﴿فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله﴾ أ رأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال رزقي ينزل علي كان يكون هذا أما أنه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم قال قلت من هؤلاء الثلاثة قال رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأن عصمتها في يده لو شاء أن يخلي سبيلها لخلى سبيلها والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده حقه فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله ثم يدعو فلا يستجاب له ﴿واذكروا الله كثيرا﴾ أي اذكروه على إحسانه واشكروه على نعمه وعلى ما وفقكم من طاعته وأداء فرضه وقيل إن المراد بالذكر هنا الفكر كما قال تفكر ساعة خير من عبادة سنة وقيل معناه اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب له ألف حسنة ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي لتفلحوا وتفوزوا بثواب النعيم علق سبحانه الفلاح بالقيام بما تقدم ذكره من أعمال الجمعة وغيرها وصح الحديث عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله ولبس صالح ثيابه ومس من طيب بيته أو دهنه ثم لم يفرق بين اثنين غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام بعدها أورده البخاري في الصحيح.

وروى سلمان التميمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الله عز وجل في كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق من النار كلهم قد استوجب النار ثم أخبر سبحانه عن جماعة قابلوا أكرم الكرم بالأم اللؤم فقال ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا﴾ أي عاينوا ذلك وقيل معناه إذا علموا بيعا وشراء أو لهوا وهو الطبل عن مجاهد وقيل المزامير عن جابر ﴿انفضوا إليها﴾ أي تفرقوا عنك خارجين إليها وقيل مالوا إليها والضمير للتجارة وإنما خصت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم وهم بها أسر من الطبل لأن الطبل إنما دل على التجارة عن الفراء وقيل عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاء به وكأنه على حذف والمعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه فحذف إليه لأن إليها يدل عليه وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال انصرفوا إليها ﴿وتركوك قائما﴾ تخطب على المنبر قال جابر بن سمرة ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب إلا وهو قائم فمن حدثك أنه خطب وهو جالس فكذبه وسئل عبد الله بن مسعود أ كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب قائما فقال أما تقرأ ﴿وتركوك قائما﴾ وقيل أراد قائما في الصلاة ثم قال تعالى ﴿قل﴾ يا محمد لهم ﴿ما عند الله﴾ من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة والصلاة والثبات مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿خير﴾ وأحمد عاقبة وأنفع ﴿من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين﴾ يرزقكم وإن لم تتركوا الخطبة والجمعة.