الآيات 51-56

يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿51﴾ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴿52﴾ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿53﴾ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ﴿54﴾ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿55﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴿56﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ﴿وإن هذه﴾ بالكسر وقرأ ابن عامر وأن بالفتح والتخفيف والباقون وأن هذه بالفتح.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ وأن هذه بالفتح فالمعنى على قول الخليل وسيبويه أنه محمول على الجار والتقدير لأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون أي اتقوني لهذا ومثل ذلك عندهم قوله وأن المساجد أي ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وكذلك عندهما لإيلاف قريش فكأنه قال فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش أي ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنعم بها وعلى هذا التقدير يحمل قراءة ابن عامر أ لا ترى أن إذا خففت اقتضت ما يتعلق بها اقتضاءها وهي غير مخففة وقال بعض النحويين موضع أن المفتوحة جر عطفا على قوله ﴿بما تعملون﴾ و﴿أمة واحدة﴾ نصب على الحال والكوفيون يسمونه قطعا ومن كسر لم يحملها على الفعل كما يحملها من فتح ولكن يجعلها كلاما مستأنف.

المعنى:

لما أخبر الله سبحانه عن إيتائه الكتاب للاهتداء ثم عما أولاه من سايغ النعماء خاطب الرسل بعد ذلك فقال ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات﴾ قيل هو خطاب للرسل كلهم وأمر لهم أن يأكلوا من الحلال عن السدي وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وأنه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات﴾ وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم وقيل أراد به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد مخاطبة الجمع عن الحسن ومجاهد وقتادة والكلبي ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا قال الحسن أما والله ما عنى به أصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم ولكنه قال انتهوا إلى الحلال منه ﴿واعملوا صالحا﴾ أي ما أمركم الله به وقيل إنه خطاب عيسى (عليه السلام) خاصة ﴿إني بما تعملون عليم﴾ هذا بيان السبب الداعي إلى إصلاح العمل فإن العاقل إذا عمل لمن يعلم عمله ويجازيه على حسب ما يعمل من عمله وبقدر استحقاقه أصلح العمل ﴿وإن هذه أمتكم أمة واحدة﴾ أي دينكم دين واحد عن الحسن وابن جريج ويعضده قوله إنا وجدنا آبائنا على أمة أي على دين قال النابغة:

حلفت فلم أترك لنفسي ريبة

وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع

وقيل هذه جماعتكم وجماعة من قبلكم واحدة كلكم عباد الله تعالى عن الجبائي ﴿وأنا ربكم فاتقون﴾ أي لهذا فاتقوا ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم﴾ تفسير الآيتين قد تقدم في سورة الأنبياء ﴿زبرا﴾ أي كتبا وهو جمع زبور عن الحسن وقتادة ومجاهد والمعنى تفرقوا في دينهم وجعلوه كتبا دانوا بها وكفروا بما سواها كاليهود وكفروا بالإنجيل والقرآن والنصارى كفروا بالقرآن وقيل معناه أحدثوا كتبا يحتجون بها لمذهبهم عن ابن زيد ومن قرأ زبرا وهو ابن عامر فمعناه جماعات مختلفة فهي جمع زبرة أي تفرقوا أحزابا وانتصب ﴿زبرا﴾ على الحال من ﴿أمرهم﴾ والعامل فيه تقطع وقال الزجاج معناه جعلوا دينهم كتبا مختلفة على قراءة من قرأ زبرا فعلى هذا يكون زبرا مفعولا ثانيا ﴿كل حزب بما لديهم فرحون﴾ أي كل فريق بما عندهم من الدين راضون يرون أنهم على الحق ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿فذرهم﴾ يا محمد ﴿في غمرتهم﴾ أي جهلهم وضلالتهم وقيل في حيرتهم وقيل في غفلتهم وهي متقاربة ﴿حتى حين﴾ أي وقت الموت وقيل وقت العذاب ثم قال ﴿أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات﴾ معناه أيظن هؤلاء الكفار أن ما نعطيهم ونزيدهم من أموال وأولاد أنما نعطيهم ثوابا ومجازاة لهم على أعمالهم أو لرضانا عنهم ولكرامتهم علينا ليس الأمر كما يظنون بل ذلك إملاء لهم واستدراج لهوانهم علينا وللابتلاء في التعذيب لهم ونظيره قوله فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وروى السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تعالى يقول يحزن عبدي المؤمن إذا أقترت عليه شيئا من الدنيا وذلك أقرب له مني ويفرح إذا بسطت له الدنيا وذلك أبعد له مني ثم تلا هذه الآية إلى قوله ﴿بل لا يشعرون﴾ ثم قال إن ذلك فتنة لهم ومعنى نسارع نسرع ونتعجل وتقديره نسارع لهم به في الخيرات فحذف به للعلم بذلك كما حذف الضمير من قولهم السمن منوان بدرهم أي منوان منه بدرهم والخيرات المنافع التي يعظم شأنها ونقيضها الشرور وهي المضار التي يشتد أمرها والشعور العلم الذي يدق معلومه وفهمه على صاحبه كدقة الشعر وقيل هو العلم من جهة المشاعر وهن الحواس ولهذا لا يوصف القديم سبحانه به.