الآيات 278-279

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿278﴾ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴿279﴾

القراءة:

قرأ عاصم برواية أبي بكر غير ابن غالب والبرجمي وحمزة فأذنوا بالمد وكسر الذال والباقون ﴿فأذنوا﴾.

وقرىء في الشواذ لا تظلمون ولا تظلمون.

الحجة:

قال سيبويه آذنت أعلمت وأذنت والتأذين النداء والتصويت بالإعلام قال وبعض العرب يجري آذنت مجرى أذنت الذي معناه التصويت والنداء قال أبو عبيدة آذنتك بحرب فأذنت به تأذن إذنا أي علمت فمن قرأ ﴿فأذنوا بحرب من الله﴾ فقصر فالمعنى اعلموا بحرب من الله والمعنى أنكم في امتناعكم من وضع ذلك حرب من الله ورسوله ومن قرأ فأذنوا فتقديره فاعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب فالمفعول محذوف على قوله وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم أيضا لا محالة ففي أمرهم بإعلام ما يعلمون هم أيضا أنهم حرب إن لم يمتنعوا عما نهوا عنه وليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم فهو في الإبلاغ آكد.

الإعراب:

﴿إن كنتم مؤمنين﴾ جواب الشرط محذوف تقديره إن كنتم مؤمنين فذروا ما بقي من الربا وموضع ﴿لا تظلمون﴾ نصب على الحال من لكم والتقدير فلكم رءوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين.

النزول:

روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية وقال السدي وعكرمة نزلت في بقية من الربا كانت للعباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب وكل دم من دم الجاهلية موضوع وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مرضعا في بني ليث فقتله هذيل وقال مقاتل نزلت في أربعة إخوة من ثقيف مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي وكانوا يداينون بني المغيرة وكانوا يربون فلما ظهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الطائف وصالح ثقيفا أسلم هؤلاء الإخوة الأربعة فطلبوا رباهم من بني المغيرة واختصموا إلى عتاب بن أسيد عامل رسول الله على مكة فكتب عتاب إلى النبي بالقصة فأنزل الله الآية.

المعنى:

ثم بين سبحانه حكم ما بقي من الربا فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾ في أمر الربا وفي جميع ما نهاكم عنه ﴿وذروا ما بقي من الربا﴾ أي واتركوا ما بقي من الربا فلا تأخذوه واقتصروا على رءوس أموالكم وقوله ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ معناه من كان مؤمنا فهذا حكمه فأما من ليس بمؤمن فإنه يكون حربا وقيل معناه إن كنتم مؤمنين بتحريم الربا مصدقين به وبما فيه من المفسدة التي يعلمها الله ﴿فإن لم تفعلوا﴾ أي فإن لم تقبلوا أمر الله ولم تنقادوا له ولم تتركوا بقية الربا بعد نزول الآية بتركه ﴿فأذنوا بحرب من الله ورسوله﴾ أي فأيقنوا واعلموا بقتال من الله ورسوله والمعنى أيقنوا أنكم تستحقون القتل في الدنيا والنار في الآخرة لمخالفة أمر الله ورسوله ومن قرأ فأذنوا فمعناه فاعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب ومعنى الحرب عداوة الله وعداوة رسوله وهذا إخبار بعظم المعصية وروي عن ابن عباس وقتادة والربيع أن من عامل بالربا استتابه الإمام فإن تاب وإلا قتله وقال الصادق آكل الربا يؤدب بعد البينة فإن عاد أدب وإن عاد قتل ﴿وإن تبتم﴾ من استحلال الربا وأقررتم بتحريمه ﴿فلكم رءوس أموالكم﴾ دون الزيادة ﴿لا تظلمون﴾ بأخذ الزيادة على رأس المال ﴿ولا تظلمون﴾ بالنقصان من رأس المال.