الآيات 11-15

هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ﴿11﴾ اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ كُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿12﴾ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿13﴾ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿14﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿15﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحفص ﴿من رجز أليم﴾ بالرفع والباقون أليم بالجر وقرأ أبو جعفر ليجز بضم الياء وفتح الزاي وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف لنجزي بالنون وكسر الزاي والنصب وقرأ الباقون ﴿ليجزي﴾ بفتح الياء وكسر الزاي.

الحجة:

قال أبو علي الرجز العذاب فمن جر فالتقدير بهم من عذاب أليم ومن رفع فالمعنى عذاب أليم من عذاب وفيه قولان (أحدهما) أن الصفة قد تجيء على وجه التأكيد كما أن الحال قد تجيء كذلك وذلك نحو قوله نفخة واحدة ومناة الثالثة الأخرى وقولهم أمس الدابر قال:

وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم

بفعال هامدة كأمس الدابر

(والآخر) أنه محمول على أنه بمعنى الرجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة ومعنى النجاسة فيه قوله ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه فكان المعنى لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس فتكون من تبيينا للعذاب مم هو ومن قرأ ﴿ليجزي﴾ بالياء فحجته أن ذكر الله قد تقدم في قوله ﴿لا يرجون أيام الله﴾ فيكون فاعل يجزي ومن قرأ بالنون فالنون في معنى الياء وإن كانت الياء أشد مطابقة لما في اللفظ ومن قرأ ﴿ليجزي قوما﴾ فقال أبو عمرو إنه لحسن ظاهر وذكر أن الكسائي قال إن معناه ليجزي الجزاء قوما قال الجامع البصير معناه ليجزي الخير قوما فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه وليس التقدير ليجزي الجزاء قوما لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح فإذا الخبر مضمر كما أضمر الشمس في قوله حتى توارت بالحجاب لأن قوله إذ عرض عليه بالعشي يدل على تواري الشمس.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿هذا هدى﴾ أي هذا القرآن الذي تلوناه والحديث الذي ذكرناه هدى أي دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق والباطل من أمور الدين والدنيا ﴿والذين كفروا بآيات ربهم﴾ وجحدوها ﴿لهم عذاب من رجز أليم﴾ مر معناه ثم نبه سبحانه خلقه على وجه الدلالة على توحيده فقال ﴿الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره﴾ أي جعله على هيئته لتجري السفن فيه ﴿ولتبتغوا من فضله﴾ أي ولتطلبوا بركوبه في أسفاركم من الأرباح بالتجارات ﴿ولعلكم تشكرون﴾ له هذه النعمة ﴿وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض﴾ أي سخر لكم مع ذلك معاشر الخلق ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر والثلج والبرد وما في الأرض من الدواب والأشجار والنبات والأثمار والأنهار ومعنى تسخيرها لنا أنه تعالى خلقها جميعا لانتفاعنا بها فهي مسخرة لنا من حيث أنا ننتفع بها على الوجه الذي نريده وقوله ﴿جميعا منه﴾ قال ابن عباس أي كل ذلك رحمة منه لكم قال الزجاج كل ذلك منه تفضل وإحسان ويحسن الوقف على قوله ﴿جميعا﴾ ثم يقول منه أي ذلك التسخير منه لا من غيره فهو فضله وإحسانه وروي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر والجحدري أنهم قرءوا منة منصوبة ومنونة وعلى هذا فيكون من باب تبسمت وميض البرق فكأنه قال من عليهم منة وروي عن سلمة أنه قرأ منة بالرفع وعلى هذا فيكون خبر مبتدإ محذوف أي ذلك منة أو هو منة أو يكون على معنى سخر لكم ذلك منة ﴿إن في ذلك لآيات﴾ أي دلالات ﴿لقوم يتفكرون﴾ ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿للذين آمنوا يغفروا﴾ هذا جواب أمر محذوف دل عليه الكلام وتقديره قل لهم اغفروا يغفروا فصار قل لهم على هذا الوجه يغني عنه عن علي بن عيسى وقيل معناه قل للذين آمنوا اغفروا ولكنه شبه بالشرط والجزاء كقوله قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة عن الفراء وقيل يغفروا تقديره يا هؤلاء اغفروا فحذف المنادي كقوله ألا يا اسجدوا لله وقول الشاعر:

ألا يا أسلمي ذات الدماليج والعقد

﴿للذين لا يرجون أيام الله﴾ أي لا يخافون عذاب الله إذا نالوكم بالأذى والمكروه ولا يرجون ثوابه بالكف عنكم وقد مر تفسير أيام الله عند قوله وذكرهم بأيام الله ومعنى يغفروا هاهنا يتركوا مجازاتهم على أذاهم ولا يكافئوهم ليتولى الله مجازاتهم ﴿ليجزي قوما بما كانوا يكسبون﴾ بيان هذا الجزاء في الآية التي تليها وهو قوله ﴿من عمل صالحا﴾ أي طاعة وخيرا وبرا ﴿فلنفسه﴾ لأن ثواب ذلك يعود عليه ﴿ومن أساء فعليها﴾ أي فوبال إساءته على نفسه ﴿ثم إلى ربكم ترجعون﴾ يوم القيامة أي إلى حيث لا يملك أحد النفع والضر والنهي والأمر غيره سبحانه فيجازي كل إنسان على قدر عمله.