الآيات 31-35
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿31﴾ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿32﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿33﴾ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿34﴾ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴿35﴾
القراءة:
قرأ يعقوب وحده يقدر بالياء وهو قراءة جده عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وعاصم الجحدري ومالك بن دينار وقرأ جميع القراء ﴿بقادر﴾ وفي الشواذ قراءة الحسن وعيسى الثقفي بلاغا بالنصب وقراءة ابن محيصن فهل يهلك بفتح الياء.
الحجة:
قال أبو علي قراءة القراء ﴿أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض﴾ إلى قوله ﴿بقادر﴾ من الحمل على المعنى أدخل الباء لما كان في معنى أ وليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر ومثل ذلك في الحمل على المعنى قول الشاعر:
بادت وغير آيهن مع البلى
إلا رواكد جمرهن هباء
ثم قال:
ومشجج أما سواء قذاله لما كان غير آيهن مع البلى إلا رواكد بمعنى بها رواكد حمل مشجج على ذلك وكذلك قوله يطاف عليهم بكأس من معين ثم قال وحور عين لما كان يطاف عليهم بكذا معناه لهم فيها كذا وقالوا إن أحدا لا يقول ذلك إلا زيد فأدخل أحدا في الموجب لما كان معنى الكلام النفي ومن قرأ بلاغا فهو على تقدير فعل مضمر أي بلغوا بلاغا كما أن الرفع على تقدير مضمر أي هو بلاغ أو هذا بلاغ وقرأ أبو مجلز بلغ على الأمر.
المعنى:
ثم بين سبحانه تمام خبر الجن فقال حاكيا عنهم ﴿يا قومنا أجيبوا داعي الله﴾ يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الأنداد دونه ﴿وآمنوا به﴾ أي بالله ﴿يغفر لكم من ذنوبكم﴾ أي فإنكم إن آمنتم بالله ورسوله يغفر لكم ذنوبكم ﴿ويجركم﴾ أي ويخلصكم ﴿من عذاب أليم﴾ قال علي بن إبراهيم فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمنوا به وعلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شرائع الإسلام وأنزل الله سبحانه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن إلى آخر السورة وكانوا يفرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل وقت وفي هذا دلالة على أنه كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله ﴿ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض﴾ أي لا يعجز الله فيسبقه ويفوته ﴿وليس له من دونه أولياء﴾ أي أنصار يمنعونه من الله ويدفعون عنه العذاب إذا نزل بهم ويجوز أن يكون هذا من كلام الله تعالى ابتداء ثم قال ﴿أولئك﴾ يعني الذين لا يجيبون داعي الله ﴿في ضلال مبين﴾ أي عدول عن الحق ظاهر ثم قال سبحانه منبها على قدرته على البعث والإعادة فقال ﴿أولم يروا﴾ أي أو لم يعلموا ﴿أن الله الذي خلق السماوات والأرض﴾ وأنشأهما ﴿ولم يعي بخلقهن﴾ أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء ولا تعب ولم يعجز عنه يقال عيي فلان بأمره إذا لم يهتد له ولم يقدر عليه ﴿بقادر﴾ الباء زائدة وموضعه رفع بأنه خبر إن ﴿على أن يحيي الموتى﴾ أي فخلق السماوات والأرض أعجب من إحياء الموتى ثم قال ﴿بلى﴾ هو قادر عليه ﴿إنه على كل شيء قدير﴾ ثم عقبه بذكر الوعيد فقال ﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق﴾ أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أ ليس هذا الذي جوزيتم به حق لا ظلم فيه ﴿قالوا﴾ أي فيقولون ﴿بلى وربنا﴾ اعترفوا بذلك وحلفوا عليه بعد ما كانوا منكرين ﴿قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ أي بكفركم في الدنيا وإنكاركم ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل﴾ أي فاصبر يا محمد على أذى هؤلاء الكفار وعلى ترك إجابتهم لك كما صبر الرسل ومن هاهنا لتبيين الجنس كما في قوله ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ وعلى هذا القول فيكون جميع الأنبياء هم أولو العزم لأنهم عزموا على أداء الرسالة وتحمل أعبائها عن ابن زيد والجبائي وجماعة وقيل أن من هاهنا للتبعيض وهو قول أكثر المفسرين والظاهر في روايات أصحابنا ثم اختلفوا فقيل أولو العزم من الرسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه وهم خمسة أولهم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ابن عباس وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) قال وهم سادة النبيين وعليهم دارت رحا المرسلين وقيل هم ستة نوح صبر على أذى قومه وإبراهيم صبر على النار وإسحاق صبر على الذبح ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر ويوسف صبر في البئر والسجن وأيوب صبر على الضر والبلوى عن مقاتل وقيل هم الذين أمروا بالجهاد والقتال وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين عن السدي والكلبي وقيل هم إبراهيم وهود ونوح ورابعهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أبي العالية والعزم هو الوجوب والحتم وأولو العزم من الرسل هم الذين شرعوا الشرائع وأوجبوا على الناس الأخذ بها والانقطاع عن غيرها ﴿ولا تستعجل لهم﴾ أي ولا تستعجل لهم العذاب فإنه كائن واقع بهم عن قريب وما هو كائن فكان قد كان وقع ﴿كأنهم يوم يرون ما يوعدون﴾ أي من العذاب في الآخرة ﴿لم يلبثوا﴾ في الدنيا ﴿إلا ساعة من نهار﴾ أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار لأن ما مضى كأن لم يكن وإن كان طويلا وتم الكلام ثم قال بلاغ أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم والبلاغ بمعنى التبليغ وقيل معناه ذلك اللبث ﴿بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون﴾ أي لا يقع العذاب إلا بالعاصين الخارجين من أمر الله تعالى وقيل معناه لا يهلك على الله تعالى إلا هالك مشرك ولى ظهره الإسلام أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله عن قتادة وقيل معناه لا يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا القوم الفاسقون عن الزجاج قال وما جاء في الرجاء لرحمة الله شيء أقوى من هذه الآية.