الآيـة 269

يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴿269﴾

القراءة:

قرأ يعقوب من يؤت بكسر التاء والباقون بفتحها.

الحجة:

من كسر التاء فإنه أراد من يؤته الله الحكمة ففاعل يؤت الضمير المستكن فيه العائد إلى الله كما هو في قوله ﴿يؤت الحكمة﴾ ويؤيد هذه القراءة قراءة الأعمش ومن يؤته الله وحذف ضمير المفعول الذي هو الهاء العائد إلى من الذي هو للجزاء وهو في موضع الرفع بالابتداء كما حذف الضمير العائد إلى الموصول في نحو قوله ﴿أهذا الذي بعث الله رسولا﴾ والأولى أن يكون من على هذه القراءة موصولة لتكون بمعنى الذي لا بمعنى الجزاء وأقول وبالله التوفيق يجوز أن يكون من للجزاء هاهنا ويكون في موضع نصب بكونه مفعولا أولا ليؤتي ولزمه التقديم على الفعل مع كونه مفعولا لنيابته عن حرف الشرط الذي له صدر الكلام ومثله من في قول زهير:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم

ومن قرأ ﴿ومن يؤت﴾ بفتح التاء فاسم ما لا يسم فاعله هو الضمير المستكن العائد إلى من ويؤت مجزوم بمن والجزاء ﴿فقد أوتي خيرا﴾.

المعنى:

ثم وصف تعالى نفسه فقال ﴿يؤتي الحكمة﴾ أي يؤتي الله الحكمة ﴿من يشاء﴾ وذكر في معنى الحكمة وجوه قيل أنه علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله عن ابن عباس وابن مسعود وقيل هو الإصابة في القول والفعل عن مجاهد وقيل أنه علم الدين عن ابن زيد وقيل هو النبوة عن السدي وقيل هو المعرفة بالله تعالى عن عطاء وقيل هو الفهم عن إبراهيم وقيل هو خشية الله عن الربيع وقيل هو القرآن والفقه عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروي أيضا عن مجاهد وقيل هو العلم الذي تعظم منفعته وتجل فائدته وهذا جامع للأقوال وقيل هو ما آتاه الله أنبياءه وأممهم من كتابه وآياته ودلالاته التي يدلهم بها على معرفتهم به وبدينه وذلك تفضل منه يؤتيه من يشاء عن أبي علي الجبائي وإنما قيل للعلم حكمة لأنه يمتنع به عن القبيح لما فيه من الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح ويروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن الله آتاني القرآن وآتاني من الحكمة مثل القرآن وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلا كان خرابا ألا فتفقهوا وتعلموا فلا تموتوا جهالا ﴿ومن يؤت الحكمة﴾ أي ومن يؤت ما ذكرناه ﴿فقد أوتي﴾ أي أعطي ﴿خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾ أي وما يتعظ ب آيات الله إلا ذوو العقول فإن قيل لم عقد بأولي الألباب التذكر وكل مكلف ذو لب قيل لم تطلق على جميع المكلفين هذه الصفة لما فيها من المدحة فلذلك عقد التذكر بهم وهم الذين يستعملون ما توجبه عقولهم من طاعة الله في كل ما أمر به ودعا إليه وسمي العقل لبا لأنه أنفس ما في الإنسان كما أن لب الثمرة أنفس ما فيها.