الآيات 86-90

وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿86﴾ وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿87﴾ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ﴿88﴾ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴿89﴾ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿90﴾

اللغة:

تقول ألقيت الشيء إذا طرحته واللقي الشيء الملقى وألقيت إليه مقالة أي قلتها له وتلقاها إذا قبلها والسلم الاستسلام والانقياد والتبيان والبيان واحد.

الأزهري قال: العرب تقول بينت الشيء تبيينا وتبيانا.

المعنى:

ثم أبان سبحانه عن حال المشركين يوم القيامة فقال ﴿وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم﴾ يعني الأصنام والشياطين الذين أشركوهم مع الله في العبادة وقيل سماهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من الزرع والأنعام فهم إذا شركاؤهم على زعمهم ﴿قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك﴾ أي يقولون هؤلاء شركاؤنا التي أشركناها معك في الإلهية والعبادة وأضلونا عن دينك فحملهم بعض عذابنا ﴿فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون﴾ معناه فقالت الأصنام وسائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بإنطاق الله تعالى إياهم لهؤلاء إنكم لكاذبون في أنا أمرناكم بعبادتنا ولكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم وقيل إنكم لكاذبون في قولكم إنا آلهة وإلقاء المعنى إلى النفس إظهاره لها حتى تدركه متميزا عن غيره ﴿وألقوا إلى الله يومئذ السلم﴾ معناه واستسلم المشركون وما عبدوهم من دون الله لأمر الله وانقادوا لحكمه يومئذ عن قتادة وقيل معناه أن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية وانقادوا قسرا لا اختيارا واعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله تعالى ﴿وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ أي بطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الأماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم وتنفع ﴿الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله﴾ أي أعرضوا عن دين الله وقيل صدوا غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله وقيل صد المسلمين عن البيت الحرام عن أبي مسلم ﴿زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون﴾ أي عذبناهم على صدهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر وقيل زدناهم الأفاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال عن ابن مسعود وقيل هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها عن ابن عباس ومقاتل وقيل زيدوا حيات كأمثال الفيلة والبخت وعقارب كالبغال الدلم عن سعيد بن جبير ﴿ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم﴾ أي من أمثالهم من البشر ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره وهو عدل عند الله تعالى وهو قول الجبائي وأكثر أهل العدل وهذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا وإن خالفوهم في أن ذلك العدل والحجة منه هو ﴿وجئنا بك﴾ يا محمد ﴿شهيدا على هؤلاء﴾ يريد على قومك وأمتك وإنما أفرده بالذكر تشريفا له وتم الكلام هاهنا ثم قال سبحانه ﴿ونزلنا عليك الكتاب﴾ يعني القرآن ﴿تبيانا لكل شيء﴾ أي بيانا لكل أمر مشكل ومعناه ليبين كل شيء يحتاج إليه من أمور الشرع فإنه ما من شيء يحتاج الخلق إليه في أمر من أمور دينهم إلا وهو مبين في الكتاب إما بالتنصيص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والحجج القائمين مقامه أو إجماع الأمة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفادا من القرآن ﴿وهدى ورحمة﴾ أي ونزلنا عليك القرآن دلالة إلى الرشد ونعمة على الخلق لما فيه من الشرائع والأحكام ولأنه يؤدي إلى نعم الآخرة ﴿وبشرى للمسلمين﴾ أي بشارة لهم بالثواب الدائم والنعيم المقيم ﴿إن الله يأمر بالعدل﴾ وهو الإنصاف بين الخلق والتعامل بالاعتدال الذي ليس فيه ميل ولا عوج ﴿والإحسان﴾ إلى الناس وهو التفضل ولفظ الإحسان جامع لكل خير والأغلب عليه استعماله في التبرع بإيتاء المال وبذل السعي الجميل وقيل العدل التوحيد والإحسان أداء الفرائض عن ابن عباس وعطاء وقيل العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال فلا يفعل إلا ما هو عدل ولا يقول إلا ما هو حسن وقيل العدل أن ينصف وينتصف والإحسان أن ينصف ولا ينتصف ﴿و إيتاء ذي القربى﴾ أي ويأمركم بإعطاء الأقارب حقهم بصلتهم وهذا عام وقيل المراد بذي القربى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين أرادهم الله بقوله فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى على ما مر تفسيره وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال نحن هم ﴿وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾ إنما جمع بين الأوصاف الثلاثة في النهي مع أن الكل منكر فاحش ليبين بذلك تفصيل ما نهى عنه لأن الفحشاء قد يكون ما يفعله الإنسان في نفسه من القبيح مما لا يظهره والمنكر ما يظهره للناس مما يجب عليهم إنكاره والبغي ما يتطاول به من الظلم لغيره وقيل إن الفحشاء الزنا والمنكر ما ينكره الشرع والبغي الظلم والكبر عن ابن عباس وقيل إن العدل استواء السريرة والعلانية والإحسان أن تكون السريرة أحسن من العلانية والفحشاء والمنكر أن تكون العلانية أحسن من السريرة عن سفيان بن عيينة ﴿يعظكم لعلكم تذكرون﴾ معناه يعظكم بما تضمنت هذه الآية من مكارم الأخلاق لكي تتذكروا وتتفكروا وترجعوا إلى الحق قال عبد الله بن مسعود هذه الآية أجمع آية في كتاب الله للخير والشر قال قتادة أمر الله سبحانه بمكارم الأخلاق ونهاهم عن سفاسف الأخلاق وجاءت الرواية أن عثمان بن مظعون قال كنت أسلمت استحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكثرة ما كان يعرض علي الإسلام ولما يقر الإسلام في قلبي فكنت ذات يوم عنده حال تأمله فشخص بصره نحو السماء كأنه يستفهم شيئا فلما سرى عنه سألته عن حاله فقال نعم بينا أنا أحدثك إذ رأيت جبرائيل في الهواء فأتاني بهذه الآية ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾ وقرأها علي إلى آخرها فقر الإسلام في قلبي وأتيت عمه أبا طالب فأخبرته فقال يا آل قريش اتبعوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ترشدوا فإنه لا يأمركم إلا بمكارم الأخلاق وأتيت الوليد بن المغيرة وقرأت عليه هذه الآية فقال إن كان محمد قاله فنعم ما قال وإن قاله ربه فنعم ما قال فأنزل الله ﴿أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى﴾ يعني قوله فنعم ما قال ومعنى قوله وأكدى أنه لم يقم على ما قاله وقطعه وعن عكرمة قال أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة فقال يا ابن أخي أعد فأعاد فقال إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو قول البشر.

النظم:

وجه اتصال قوله ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾ بما قبله أنه سبحانه لما بين أن الأنبياء تشهد على أممهم يوم القيامة بين عقيبه أنه سبحانه قد كلف الجميع وأزاح عللهم في التكليف بأن أنزل القرآن بما فيه من البيان والهداية والرحمة والبشارة لأهل الإيمان وأنهم إذا عوقبوا فإنما أتوا في ذلك من قبل نفوسهم وهذا كله مما يدخل في الشهادة ووجه اتصال قوله ﴿إن الله يأمر بالعدل﴾ الآية بما قبله أنه سبحانه لما ذكر القرآن بين عقيبه ما يأمر به وينهى عنه فيه وقيل إنه يتصل بقوله ﴿ويوم نبعث﴾ كأنه قال بعد ذكر القيامة والشهود أنه يأمر بالعدل وينهى عن الظلم فاعلموا أنه سبحانه لا يظلم أحدا بل يعدل ويتفضل ولذلك جاء بالشهود ليشهدوا على أممهم أنهم أتوا فيما لاقوه من العذاب من قبل أنفسهم.