الآيـة 267

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿267﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير غير القواس ﴿ولا تيمموا﴾ بتشديد التاء فيها وفي أخواتها وهي أحد وثلاثون موضعا من القرآن والباقون تيمموا بالتخفيف.

الحجة:

كلاهما بمعنى واحد كان ابن كثير رد الحرف الساقط في القراءة الأخرى وأدغم لأنه كان في الأصل تاءان تاء المخاطب وتاء الفعل فحذفت تاء الخطاب في القراءة العامة لئلا يتكرر حرفان مثلان وتخف الكلمة.

اللغة:

التيمم التعمد قال خفاف:

فعمدا على عيني تيممت مالكا وقال الأعشى:

تيممت قيسا وكم دونه

من الأرض من مهمة ذي شزن يقال أممت الشيء خفيفة ويممته وأممته ويممته وتيممته بمعنى أي قصدته ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد والإمام أيضا خيط البناء لأنه يمده ويعتمد بالبناء عليه واليم لجة البحر لأنه يعتمد به البعيد من الأرض واليمام الحمام لأنها تتعمد إلى أوكارها بحسن هدايتها والخبيث الرديء من كل شيء وخبث الفضة والحديد ما نفاه الكير لأنه ينفي الرديء وأصله الرداءة والإغماض في البيع الحط من الثمن لعيب فيه وذلك لإخفاء بعض الثمن بالحط له والغموض الخفاء غمض يغمض فهو غامض والتغميض للعين أطباق الجفن والغمض النوم والغمض المطمئن من الأرض وأصل الباب الخفاء والإغماض غمض البصر وأطباق جفن على جفن قال رؤبة:

أرق عيني عن الإغماض

برق سرى في عارض نهاض ثم صار عبارة عن التسامح والتساهل في البيع.

الإعراب:

قال الفراء الأصل في ﴿أن تغمضوا﴾ أن مكسورة الهمزة لأن الكلام في معنى الجزاء وهو إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه ومثل إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله وأنكر ذلك المحققون قالوا أن هذه التي بمعنى المصدر نحو أن تأتيني خير لك والمعنى ولستم ب آخذيه إلا لإغماضكم فيه.

النزول:

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية وكانوا يتصدقون منها فنهاهم الله عن ذلك وأمر بالصدقة من الطيب الحلال وقيل إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في تمر الصدقة عن علي (عليه السلام) والبراء بن عازب والحسن وقتادة.

المعنى:

لما تقدم ذكر الإنفاق وبيان صفة المنفق وأنه يجب أن ينوي بالصدقة التقرب وأن يحفظها مما يبطلها من المن والأذى بين تعالى صفة الصدقة والمتصدق عليه ليكون البيان جامعا فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ خاطب المؤمنين ﴿أنفقوا﴾ أي تصدقوا ﴿من طيبات ما كسبتم﴾ أي من حلال ما كسبتم بالتجارة عن ابن مسعود ومجاهد وقيل من خياره وجياده ونظيره قوله ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ وروي عن عبيد بن رفاعة قال خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا معشر التجار أنتم فجار إلا من اتقى وبر وصدق وقال بالمال هكذا وهكذا وقال (عليه السلام) تسعة أعشار الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء وروت عائشة عنه أنه قال أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه وقال سعيد بن عمير سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي كسب الرجل أطيب قال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور وقال علي (عليه السلام) من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم واختلفوا في ذلك على وجوه فقيل هذا أمر بالنفقة في الزكاة عن عبيدة السلماني والحسن وقيل هو في الصدقة المتطوع بها لأن المفروض من الصدقة له مقدار من القيمة إن قصر عنه كان دينا عليه إلى أن يؤديه بتمامه وإن كان مال المزكي كله رديا فجائز له أن يعطي منه عن الجبائي وقيل هو الأصح أنه يدخل فيه الفرائض والنوافل والمراد به الإنفاق في سبيل الخير وأعمال البر على العموم وفيه دلالة على أن ثواب الصدقة من الحلال المكتسب أعظم منه من الحلال غير المكتسب وإنما كان ذلك لأنه يكون أشق عليه ﴿ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ أي وأنفقوا وأخرجوا من الغلات والثمار مما يجب فيه الزكاة ﴿ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون﴾ أي لا تقصدوا الرديء من المال أو مما كسبتموه أو أخرجه الله لكم من الأرض فتنفقون منه وقيل المراد بالخبيث هاهنا الحرام ويقوي القول الأول قوله ﴿ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه﴾ لأن الإغماض لا يكون إلا في الشيء الرديء دون ما هو حرام وفيه قولان (أحدهما) أن معناه لا تتصدقوا بما لا تأخذونه من غرمائكم إلا بالمسامحة والمساهلة فالإغماض هاهنا المساهلة عن البراء بن عازب (والآخر) أن معناه بما لا تأخذونه إلا أن تحطوا من الثمن فيه عن الحسن وابن عباس وقتادة ومثله قول الزجاج ولستم ب آخذيه إلا في وكس فكيف تعطونه في الصدقة ﴿واعلموا أن الله غني﴾ عن صدقاتكم ﴿حميد﴾ أي مستحق للحمد على نعمه وقيل مستحمد إلى خلقه بما يعطيهم من النعم أي مستدع لهم إلى ما يوجب لهم الحمد وقيل أنه بمعنى الحامد أي أنه مع غناه عنكم وعن صدقاتكم يقبلها منكم ويحمدكم عليها وحميد بهذا الموضع أليق من حليم كما أن حليما بالآية المتقدمة أليق من حميد لأنه سبحانه لما أمر بالإنفاق من طيبات المكاسب بين أنه غني عن ذلك وأنه يحمد فاعله إذا فعله على ما أمره به ومعناه أنه يجازيه عليه.