الآيـة 265

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿265﴾

القراءة:

قرأ عاصم وابن عامر ﴿بربوة﴾ بفتح الراء والباقون بضمها وروي في الشواذ عن ابن عباس بكسر الراء وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وأكلها بالتخفيف والباقون بالتثقيل.

اللغة:

الربوة والربوة والربوة بالحركات الثلاث في الراء والرباوة الرابية قال أبو الحسن والذي نختاره ربوة بضم الراء ويؤيد هذا الاختيار قولهم ربا في الجمع والأكل المأكول يدل على ذلك قوله تعالى ﴿تؤتي أكلها كل حين﴾ أي ما يؤكل منها قال الأعشى:

جندك التالد الطريف من السادات

أهل القباب والآكال

فالآكال جمع أكل مثل عنق وأعناق والأكل الفعل والأكلة الطعمة والأكلة الواحدة قال الشاعر:

فما أكلة إن نلتها بغنيمة

ولا جوعة إن جعتها بغرام

ففتح الألف من الفعلة بدلالة قوله ولا جوعة وإن شئت ضممت وعنيت الطعام وقال أبو زيد أنه لذو أكل أي له حظ ورزق من الدنيا وضعف الشيء مثله زائدا عليه وضعفاه مثلاه زائدين عليه وقال قوم ضعف الشيء مثلاه والطل المطر الصغار يقال أطلت السماء فهي مطلة وروضة طلة ندية والطل إبطال الدم بأن لا يثأر بصاحبه طل دمه فهو مطلول لأنه بمنزلة ما جاء عليه الطل فأذهبه فكأنه قيل غسله والطلل ما شخص من الدار لأنه كموضع الندى بالطل لعمارة الناس له خلاف المستوي القفر لأن الخصب حيث تكون الأبنية وصار الطلل اسما لكل شخص والإطلال الإشراف على الشيء وما بالناقة طل أي بها طرق وهو الشحم وطلة الرجل امرأته وأصل الباب الطل المطر.

الإعراب:

﴿ابتغاء مرضاة الله﴾ مفعول له وتثبيتا معطوف عليه بربوة الجار والمجرور في موضع الصفة لجنة ﴿وأصابها وابل﴾ في موضع جر لأنها صفة بعد صفة وضعفين حال من أكل قال الزجاج ارتفع طل على معنى ﴿فإن لم يصبها وابل﴾ فالذي يصبها طل فعلى هذا يكون خبر مبتدإ محذوف ويجوز أن يكون فاعل فعل مقدر أي فيصيبها طل.

المعنى:

﴿ومثل الذين ينفقون﴾ أي يخرجون ﴿أموالهم﴾ في أعمال البر ﴿ابتغاء مرضات الله﴾ أي طلبا لرضاء الله ﴿وتثبيتا من أنفسهم﴾ بقوة اليقين والبصيرة في الدين عن سعيد بن جبير والسدي والشعبي وقيل معناه أنهم يثبتون أين يضعون صدقاتهم عن الحسن ومجاهد وقيل معناه وتوطينا لنفوسهم على الثبوت على طاعة الله عن أبي علي الجبائي واعترض على الحسن ومجاهد بأنه لم يقل وتثبيتا وليس هذا بشيء لأنهم إذا ثبتوا أنفسهم فقد ثبتوا وقوله ﴿كمثل جنة بربوة﴾ معناه كمثل بستان لمرتفع من الأرض وإنما خص الربوة لأن نبتها يكون أحسن وريعها أكثر من المستغل الذي يسيل الماء إليه ويجتمع فيه فلا يطيب ريعه أ لم تر إلى قول الأعشى:

ما روضة من رياض الحزن معشبة

خضراء جاد عليها مسبل هطل

فخص بها الحزن للمعنى الذي ذكرناه ﴿أصابها وابل﴾ أي أصاب هذه الجنة مطر شديد ﴿فأتت أكلها ضعفين﴾ أي فأعطت غلتها ضعفي ما تعطي إذا كانت بأرض مستغلة ويحتمل أن يكون معناه مرتين في كل سنة واحدة كما قال سبحانه ﴿تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾ ومعناه كل ستة أشهر فيما روي وقال أبو عبد الله (عليه السلام) معناه يتضاعف أجر من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله ﴿فإن لم يصبها وابل﴾ أي مطر شديد ﴿فطل﴾ أي أصابها مطر لين أراد به أن خيرها لا يخلف على كل حال ولا يرى الغبار عليها على كل حال وإنما ارتفع فطل على تقدير فالذي يصيبها طل ﴿والله بما تعملون بصير﴾ معناه عالم بأفعالكم فيجازيكم بحسبها وقيل عالم بالمرائي والمخلص وفيه ترغيب وترهيب.