الآيات 51-55

وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿51﴾ وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ ﴿52﴾ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿53﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿54﴾ لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿55﴾

اللغة:

وصب الشيء وصوبا إذا دام ووصب الدين وجب وقال أبو الأسود:

لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه

يوما بذم الدهر أجمع واصبا والوصب الألم الذي يكون عن الإعياء بدوام العمل مدة قال:

لا يغمز الساق من أين ومن وصب

ولا يعض على شرسوفه الصفر والجؤار الاستغاثة برفع الصوت ويقال جار الثور يجار جؤارا إذا رفع صوته من جوع أو غيره قال الأعشى:

وما أيبلي على هيكل

بناه وصلب فيه وصارا

يراوح من صلوات المليك

طورا سجودا وطورا جؤارا وبناء الأصوات على فعال وفعيل نحو الصراخ والبكاء والعويل والصفير والفعال أكثر.

الإعراب:

ذكر اثنين توكيدا لقوله ﴿إلهين﴾ كما ذكر الواحد في قوله ﴿إله واحد﴾ ﴿واصبا﴾ نصب على الحال وما بكم موصول وصلة في موضع الرفع بالابتداء ودخلت الفاء في خبره وهو قوله ﴿فمن الله﴾ تقديره فهو من الله ولا فعل هاهنا لأن قوله ﴿بكم﴾ قد تضمن معنى الفعل فإنه بمعنى وما حل بكم من نعمة.

المعنى:

لما بين سبحانه دلائل قدرته وإلهيته عقبه بالتنبيه على وحدانيته فقال ﴿وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين﴾ أي لا تعبدوا مع الله إلها آخر فتشركوا بينهما في العبادة لأنه لا يستحق العبادة سواه وذكر اثنين كما يقال فعلت ذلك لأمرين اثنين وقيل إن تقديره لا تتخذوا اثنين إلهين يريد به نفسه وغيره ﴿إنما هو إله واحد﴾ وإنما لإثبات المذكور ونفي ما عداه فكأنه قال هو إله واحد لا إله غيره ﴿فإياي فارهبون﴾ أي ارهبوا أعقابي وسطواتي ولا تخشوا غيري وورد عن بعض الحكماء أنه قال نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة عبدت نفسك وهواك ودنياك وطبعك ومرادك وعبدت الخلق فإني تكون موحدا ﴿وله ما في السماوات والأرض﴾ ملكا وملكا وخلقا ﴿وله الدين واصبا﴾ أي وله الطاعة دائمة واجبة على الدوام عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ومعناه أنه سبحانه الذي يعبد دائما وغيره إنما يعبد في وقت دون وقت وقيل معناه وله الدين خالصا عن الفراء أي يجب على العبد أن يطيعه مخلصا وقيل معناه وله الملك دائما لا يزول ﴿أ فغير الله تتقون﴾ أي أ فغير الله تخشون وهو استفهام فيه معنى التوبيخ أي فكيف تعبدون غيره ولا تتقونه ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ معناه أن جميع ما بكم وما لكم من النعم مثل الصحة في الجسم والسعة في الرزق ونحوهما فكل ذلك من عند الله ومن جهته ﴿ثم إذا مسكم الضر﴾ مثل المرض والشدة والبلاء وسوء الحال ﴿فإليه تجئرون﴾ أي فإليه تتضرعون في كشفه وإليه ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة لصرفه ﴿ثم إذا كشف الضر عنكم﴾ معناه ثم إذا دفع ما حل بكم من الضر ودفع ما مسكم من المرض والفقر ﴿إذا فريق منكم بربهم يشركون﴾ أي دعا طائفة منكم إلى الشرك بربهم في العبادة جهلا منهم بربهم ومقابلة لنعمه بالكفران والعصيان وهذا عجب من فعل العاقل المميز ﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ معنى اللام هاهنا هو البيان عن العلة التي لأجلها وقع الفعل والمعنى أنهم بمنزلة من أشرك في عبادة ربه ليكفر بما آتاه من النعمة كأنه كان لا غرض له في شركه إلا هذا والمعنى لأن يكفروا بإنعامنا عليهم ورزقنا إياهم وقيل إن اللام للأمر على وجه التحديد أي ليفعلوا ما شاءوا فإنه ينزل الله بهم عاقبة كفرهم ويوافق هذا القول ما رواه مكحول عن أبي رافع قال حفظت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيمتعوا فسوف يعلمون بالياء فيهما فإن يمتعوا يكون معطوفا مجزوما ويجوز أيضا أن يكون معطوفا منصوبا والمعنى لأن يكفروا فيمتعوا فقوله ﴿فتمتعوا فسوف تعلمون﴾ يكون ابتداء خطاب لهم على التهديد والوعيد يقول فتمتعوا أيها الكفار في الدنيا قليلا فسوف تعلمون ما يحل بكم في العاقبة من العقاب وأليم العذاب وحذف لدلالة الكلام عليه.