الآيات 19-23

وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿19﴾ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿20﴾ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿21﴾ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴿22﴾ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴿23﴾

القراءة:

﴿والذين يدعون﴾ بالياء عاصم غير الأعشى والبرجمي عن أبي بكر ويعقوب وسهل والباقون بالتاء.

الحجة:

من قرأ بالتاء فلأن ما بعده وما قبله خطاب ومن قرأ بالياء وجه الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويكون الخبر عن المشركين.

المعنى:

لما قدم سبحانه الدعاء إلى عبادته بذكر نعمة وكمال قدرته عقبه ببيان علمه بسريرة كل أحد وعلى نيته ثم ذكر بطلان الإشراك في عبادته فقال ﴿والله يعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ أخبر سبحانه أنه يعلم ما يسرونه وما يظهرونه فيجازيهم على أفعالهم إذ لا يخفى عليه الجلي والخفي من أحوالهم ﴿والذين يدعون من دون الله﴾ إلها ﴿لا يخلقون شيئا وهم يخلقون﴾ يعني الأصنام لا يمكنها خلق شيء بل هي مخلوقة مربوبة منحوتة من الحجر والخشب ونحوهما مما هو مخلوق لله تعالى ثم قال ﴿أموات﴾ أي هي أموات ﴿غير أحياء﴾ أكد كونها أمواتا بقوله ﴿غير أحياء﴾ لنفي الحياة عنها على الإطلاق فإن من الأموات من سبقت له حالة في الحياة وله حالة منتظرة في الحياة بخلاف الأصنام فإنه ليس لها حياة سابقة ولا منتظرة وقال ﴿أموات﴾ ولم يقل موات وإن كان الأموات جمع الميت الذي كان فيه حياة فزالت لأنهم صور والأصنام على صور العقلاء وهيئاتهم وعاملوها معاملة العقلاء تسمية واعتقادا ولذلك قال ﴿لا يخلقون شيئا وهم يخلقون﴾ ﴿وما يشعرون أيان يبعثون﴾ معناه وما تشعر هذه الأصنام متى تبعث عن الفراء وقيل في الآية إن معناه هم أموات يعني أن الكفار في حكم الأموات لذهابهم عن الحق والدين ولا يدرون متى يبعثون وقيل إن المعنى ولا تدري الأصنام متى يبعث الخلق عن الجبائي وأيان في موضع نصب يبعثون وقرىء في الشواذ إيان بكسر الهمزة والفتح أفصح وأصح ثم خاطب سبحانه عباده فقال ﴿إلهكم إله واحد﴾ لا يقدر على ما يستحق به العبادة من خلق أصول النعم سواه فاثبتوا على عبادته ﴿فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة﴾ أي جاحدة للحق تستبعد ما يرد عليها من المواعظ ﴿وهم مستكبرون﴾ عن الانقياد للحق ذاهبون عنه دافعون له من غير حجة والاستكبار طلب الترفع بترك الإذعان للحق ثم قال سبحانه ﴿لا جرم﴾ أي حقا وهو بمنزلة اليمين قال الخليل وهو كلمة تحقيق ولا يكون إلا جوابا لقول فعلوا كذا فيقول السامع لا جرم يندمون وقال الزجاج معناه حق أن الله ووجب أن الله ولا رد لفعلهم قال الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا المعنى أحقت فزارة بالغضب وقال أبو مسلم أصله من الكسب فكأنه قال لا يحتاج في معرفة هذا الأمر إلى اكتساب علم بل هو معلوم ﴿أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون﴾ وهذا تهديد لهم بأنه عالم بجميع أحوالهم فيجازيهم على أقوالهم وأفعالهم ﴿إنه لا يحب المستكبرين﴾ أي المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للأنبياء أي لا يريد ثوابهم وتعظيمهم.