الآيات 3-7

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿3﴾ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴿4﴾ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿5﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴿6﴾ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿7﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر بشق الأنفس بفتح الشين والباقون بكسرها.

الحجة:

الشق والشق بكسر الشين وفتحها بمعنى وكلاهما المشقة قال عمرو بن ملقط وهو جاهلي:

والخيل قد تجشم أربابها

الشق وقد تعتسف الرواية والرواية بفتح الشين.

اللغة:

الأنعام جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم سميت بذلك لنعمة مشيها بخلاف الحافر الذي يصلب مشيها والدفء ما استدفأت به ودفىء يومنا دفا فهو دفىء والإراحة رد الماشية بالعشي من مراعيها إلى مباركها والمكان الذي يراح فيه مراح والسروح خروج الماشية إلى المرعى بالغداة يقال سرحت الماشية سرحا وسروحا وسرحها أهلها قال:

كان بقايا الأثر فوق متونه

مدب الدبا فوق النقا وهو سارح والأثقال جمع الثقل وهو المتاع الذي يثقل حمله.

الإعراب:

والأنعام منصوب بفعل مقدر يفسره ما بعده والتقدير وخلق الأنعام خلقها وقوله ﴿لكم فيها دفء﴾ جملة منصوبة الموضع على الحال من الأنعام والتقدير كائنة بهذه الصفة.

المعنى:

لما تقدم ذكر بعث الملائكة للإنذار وبيان التوحيد وشرائع الإسلام أتبعه سبحانه بالاحتجاج على الخلق بالخلق وتعداد صنوف الأنعام فقال ﴿خلق السماوات والأرض بالحق﴾ ومعناه أنه خلقهما ليستدل بهما على معرفته ويتوصل بالنظر فيهما إلى العلم بكمال قدرته وحكمته وقيل خلقهما لينتفع بهما في الدين والدنيا وليعمل بالحق ﴿تعالى عما يشركون﴾ أي تقدس عن أن يكون له شريك ثم بين سبحانه دلالة أخرى فقال ﴿خلق الإنسان من نطفة﴾ والنطفة الماء القليل غير أنه بالتعارف صار اسما لماء الفحل ﴿فإذا هو خصيم مبين﴾ اختصر هاهنا ذكر تقلب أحوال الإنسان لذكره ذلك في أمكنة كثيرة من القرآن فالمعنى أنه خلق الإنسان من نطفة سيالة ضعيفة مهينة دبرها وصورها بعد أن قلبها حالا بعد حال حتى صارت إنسانا يخاصم عن نفسه ويبين عما في ضميره فبين سبحانه أنقص أحوال الإنسان وأكملها منبها على كمال قدرته وعلمه وقيل خصيم مجادل بالباطل مبين ظاهر الخصومة عن ابن عباس والحسن فعلى هذا يكون المعنى أنه خلقه ومكنه فأخذ يخاصم في نفسه وفيه تعريض لفاحش ما ارتكبه الإنسان من تضييع حق نعمة الله عليه ثم بين سبحانه نعمته في خلق الأنعام فقال ﴿والأنعام خلقها﴾ معناه وخلق الأنعام من الماء كما خلقكم منه يدل عليه قوله ﴿والله خلق كل دابة من ماء﴾ وأكثر ما يتناول الأنعام الإبل ويتناول البقر والغنم أيضا وفي اللغة هي ذوات الأخفاف والأظلاف دون ذوات الحوافر ﴿لكم فيها دفء﴾ أي لباس عن ابن عباس ومجاهد وقيل ما يستدفا به مما يعمل من صوفها ووبرها وشعرها عن الحسن فيدخل فيه الأكسية واللحف والملبوسات وغيرها قال الزجاج أخبر سبحانه أن في الأنعام ما يدفئنا ولم يقل ولكم فيها ما يكنكم من البرد لأن ما ستر من الحر ستر من البرد وقال في موضع آخر سرابيل تقيكم الحر فعلم أنها تقي البرد أيضا فكذلك هاهنا وقيل إن معناه وخلق الأنعام لكم أي لمنافعكم ثم ابتدأ وأخبر وقال ﴿فيها دفء﴾ عن الحسن وجماعة ﴿ومنافع﴾ معناه ولكم فيها منافع آخر من الحمل والركوب وإثارة الأرض والزرع والنسل ﴿ومنها تأكلون﴾ أي ومن لحومها تأكلون ﴿ولكم فيها جمال﴾ أي حسن منظر وزينة ﴿حين تريحون﴾ أي حين تردونها إلى مراحها وهي حيث تأوي إليه ليلا ﴿وحين تسرحون﴾ أي حين ترسلونها بالغداة إلى مراعيها وأحسن ما يكون النعم إذا راحت عظاما ضروعها ممتلئة بطونها منتصبة أسنمتها وكذلك إذا سرحت إلى المراعي رافعة رءوسها فيقول الناس هذه جمال فلان ومواشيه فيكون له فيها جمال ﴿وتحمل أثقالكم﴾ أي أمتعتكم ﴿إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس﴾ أي وتحمل الإبل وبعض البقر أحمالكم الثقيلة إلى بلد بعيدة لا يمكنكم أن تبلغوه من دون الأحمال إلا بكلفة ومشقة تلحق أنفسكم فكيف تبلغونه مع الأحمال لو لا أن الله تعالى سخر هذه الأنعام لكم حتى حملت أثقالكم إلى أين شئتم وقيل إن الشق معناه الشطر والنصف فيكون المراد إلا بأن يذهب شطر قوتكم أي نصف قوة الأنفس وقيل معناه تحمل أثقالكم إلى مكة لأنها من بلاد الفلوات عن ابن عباس وعكرمة ﴿إن ربكم لرءوف﴾ أي ذو رأفة ﴿رحيم﴾ أي ذو رحمة ولذلك أنعم عليكم بخلق هذه الأنعام ابتداء منه بهذه الأنعام.