الآيات 1-2

أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿1﴾ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ﴿2﴾

القراءة:

تشركون بالتاء كوفي غير عاصم والباقون بالياء تنزل الملائكة بفتح التاء والزاي والتشديد ورفع الملائكة روح وزيد عن يعقوب وسهل وهي قراءة الحسن والباقون بالياء بكسر الزاي ونصب ﴿الملائكة﴾ وابن كثير وأبو عمرو يخففان ينزل على أصلها وكذلك رويس عن يعقوب والباقون يشددون.

اللغة:

قيل إن التسبيح بالتشديد في اللغة على أربعة أقسام (الأول) التنزيه كقوله ﴿سبحان الذي أسرى﴾ (والثاني) بمعنى الاستثناء كقوله ﴿لو لا تسبحون﴾ أي تستثنون بقولكم إن شاء الله (والثالث) بمعنى الصلاة كقوله ﴿فلو لا أنه كان من المسبحين﴾ ( والرابع ) بمعنى النور كما جاء في الحديث فلو لا سبحات وجهه أي نوره والروح يأتي على عشرة أقسام الروح حياة النفوس بالإرشاد والروح الرحمة كما ورد في القراءة فروح وريحان والروح النبوة كقوله ﴿يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده﴾ والروح عيسى روح الله لأنه خلق من غير بشر وقيل من غير فحل وقيل لكونه رحمة على عباده بما يدعوهم إلى الله والروح جبرائيل (عليه السلام) والروح النفخ يقال أحييت النار بروحي أي بنفخي قال ذو الرمة يصف الزند والزندة:

فلما بدت كفنتها وهي طفلة

بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا

وقلت له ارفعها إليك وأحيها

بروحك واقتته لها قيتة قدرا والروح الوحي في قوله ﴿وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا﴾ وقيل إنه جبرائيل والروح ملك في السماء من أعظم من خلق الله فإذا كان يوم القيامة وقف صفا والملائكة كلهم صفا والروح روح الإنسان وقال ابن عباس في الإنسان روح ونفس فالنفس هي التي يكون فيها التمييز والكلام والروح هو الذي يكون به الغطيط والنفس فإذا نام العبد خرجت نفسه وبقي روحه وإذا مات خرجت نفسه وروحه معا.

المعنى:

﴿أتى أمر الله﴾ فيه أقوال (أحدها) إن معناه قرب أمر الله تعالى بعقاب هؤلاء المشركين المقيمين على الكفر والتكذيب عن الحسن وابن جريج قال الحسن إن المشركين قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ائتنا بعذاب الله فقال سبحانه إن أمر الله آت وكل ما هو آت قريب دان (وثانيها) إن أمر الله أحكامه وفرائضه عن الضحاك (وثالثها) إن أمر الله هو يوم القيامة عن الجبائي وروي نحوه عن ابن عباس وعلى هذا الوجه فيكون أتى بمعنى يأتي وجاء وقوع الماضي هاهنا لصدق المخبر بما أخبر به فصار بمنزلة ما قد مضى ولأن سبحانه قرب أمر الساعة فجعله أقرب من لمح البصر وقال اقتربت الساعة ﴿فلا تستعجلوه﴾ خطاب للمشركين المكذبين بيوم القيامة لعذاب الله المستهزءين به وكانوا يستعجلونه كما حكى الله سبحانه عنهم قولهم فأمطر علينا حجارة من السماء وتقديره قل لهؤلاء الكفار لا تستعجلوا القيامة والعذاب فإن الله سيأتي بكل واحد منهما في وقته وحينه كما تقتضيه حكمته ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ هذه كلمة تنزيه لله تعالى عما لا يليق به وبصفاته وتنزيه له من أن يكون له شريك في عبادته أي جل وتقدس وتنزه من أن يكون له شريك تعالى وتعظم وارتفع من جميع صفات النقص ﴿ينزل الملائكة﴾ أي ينزل الله الملائكة أو تنزل الملائكة ﴿بالروح من أمره﴾ أي بالوحي عن ابن عباس وقيل بالقرآن عن ابن زيد وهما واحد وسمي روحا لأنه حياة القلوب والنفوس بالإرشاد إلى الدين وقيل بالنبوة عن الحسن وقوله ﴿من أمره﴾ أي بأمره ونظيره قوله ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ أي بأمر الله لأن أحدا لا يحفظه عن أمره ﴿على من يشاء من عباده﴾ ممن يصلح للنبوة والسفارة بينه وبين خلقه ﴿أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾ هذا تفسير للروح المنزل وبدل منه فإن المعنى تنزل الملائكة بأن أنذروا أهل الكفر والمعاصي بأنه لا إله إلا أنا أي مروهم بتوحيدي وبأن لا يشركوا بي شيئا ومعنى ﴿فاتقون﴾ فاتقوا مخالفتي وفي هذا دلالة على أن الغرض من بعثة الأنبياء الإنذار والدعاء إلى الدين.

النظم:

وجه اتصال قوله ﴿سبحانه وتعالى﴾ بما تقدم إن الكفار كانوا يستعجلون العذاب على وجه التكذيب به ويكذبون البعث والقيامة فبين سبحانه أنه منزه عما يصفون به فإن الحكيم إذا كلف وجب أن يجازي المكلف فترك المجازاة قبيح وقيل إنهم كانوا ينكرون قدرة الله تعالى سبحانه على إعادة الخلق فنزه نفسه عن قولهم واتصل قوله ﴿ينزل الملائكة﴾ بما تقدم فإنه سبحانه لما أوعدهم بالعذاب بين أنه ينزل الملائكة للتخويف وأنه لا يأخذ أحدا من المشركين حتى يحتج عليه بالنذر وقيل إنه سبحانه بين أن الحال حال التكليف لا حال نزول العذاب وإن الصلاح الآن إنزال الملائكة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالوحي والكتاب للإنذار وبيان الأدلة ولذلك أتبعه بذكر الأدلة.