الآيـة 254

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿254﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة بالفتح فيها أجمع وفي سورة إبراهيم لا بيع فيه ولا خلال وفي الطور لا لغو فيها ولا تأثيم وقرأ الباقون جميعها بالرفع.

الحجة:

قال أبو علي أما من فتح بلا تنوين فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم ومن رفع جعله جواب أفيها لغو أو تأثيم وقد ذكرنا صدرا من القول على النفي فيما تقدم والمعنيان متقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدل على ذلك قول أمية:

فلا لغو ولا تأثيم فيها ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو وإن كان قد رفعه ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينونه فإن جعلت قوله فيها خبرا أضمرت للأول خبرا وإن جعلته صفة أضمرت لكل واحد من الاسمين خبرا.

اللغة:

البيع هو استبدال المتاع بالثمن والبيع نقيض الشراء والبيع أيضا الشراء لأنه تارة عقد على الاستبدال بالثمن وتارة على الاستبدال بالمتاع والبيع الصفقة على إيجاب البيع والبيعة الصفقة على إيجاب الطاعة والبيعان البائع والمشتري والخلة خالص المودة والخلل الانفراج بين الشيئين وخللته بالخلال أخله خلالا إذا شككته به واختلال الحال انحرافها بالفقر والخليل الخالص المودة من الخلة لتخلل الأسرار بينهما وقيل لأنه يمتنع من الشوب في المودة بالنقيصة والخليل أيضا المحتاج من الخلة والخل معروف لتخلله بحدته ولطفه فيما ينساب فيه والخل الرجل الخفيف الجسم والخل الطريق في الرمل وفي فلان خلة رائقة أي خصلة والخلة جفن السيف وقد ذكرنا معنى الشفاعة عند قوله ولا يقبل منها شفاعة.

المعنى:

لما قص الله سبحانه أخبار الأمم السابقة وثبت رسالة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عقبه بالحث على الطاعة فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي صدقوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيما جاء به ﴿أنفقوا مما رزقناكم﴾ قيل أراد به الفرض كالزكاة ونحوها دون النفل لاقتران الوعيد به عن الحسن ولأن ظاهر الأمر يقتضي الإيجاب وقيل يدخل فيه النفل والفرض عن ابن جريج واختاره البلخي وهو الأقوى لأنه أعم ولأن الآية ليس فيها وعيد على ترك النفقة وإنما فيها إخبار عن عظم أهوال يوم القيامة وشدائدها ﴿من قبل أن يأتي يوم﴾ أي يوم القيامة ﴿لا بيع فيه﴾ أي لا تجارة ﴿ولا خلة﴾ أي ولا صداقة لأنهم بالمعاصي يصيرون أعداء وقيل لأن شغله بنفسه يمنع من صداقة غيره وهذه كقوله الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ﴿ولا شفاعة﴾ أي لغير المؤمنين مطلقا فأما المؤمنون فقد يشفع بعضهم لبعض ويشفع لهم أنبياؤهم كما قال سبحانه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ﴿والكافرون هم الظالمون﴾ إنما ذم الله الكافر بالظلم وإن كان الكفر أعظم منه لأمرين (أحدهما) الدلالة على أن الكافر ضر نفسه بالخلود في النار فقد ظلم نفسه (والآخر) أنه لما نفي البيع في ذلك اليوم والخلة والشفاعة وأخبر أنه قد حرم الكافر هذه الأمور قال وليس ذلك بظلم منا بل الكافرون هم الظالمون لأنهم عملوا بأنفسهم ما استحقوا به حرمان هذه الأمور ووجه آخر في تخصيص الكافر بالظلم وهو إن ظلم الكافر هو غاية الظلم وليس يبلغ ظلم المؤمنين لأنفسهم وغيرهم مبلغ ظلم الكافرين ونظيره قول القائل فلان هو الفقيه في البلد وفلان هو الفاضل ويراد به تقدمه على غيره فيما أضيف إليه.