الآيات 36-40

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿36﴾ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴿37﴾ مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴿38﴾ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴿39﴾ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿40﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة وهشام ﴿أن يكون﴾ بالياء والباقون بالتاء وقرأ عاصم وحده ﴿وخاتم النبيين﴾ بفتح التاء والباقون بكسرها.

الحجة:

قال أبو علي التذكير والتأنيث حسنان وهذه الآية تدل على أن ما في قوله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة نفي وليست بموصولة ومن كسر التاء من خاتم فإنه ختمهم فهو خاتمهم ومن فتح التاء فمعناه آخر النبيين لا نبي بعده قال الحسن خاتم الذي ختم به قال المبرد خاتم فعل ماض على فاعل وهو في معنى ختم النبيين ونصب النبيين على هذا الوجه بأنه مفعول به وفي حرف عبد الله ولكن نبيا وختم النبيين.

اللغة:

قال الزجاج الخيرة التخيير وقال علي بن عيسى الخيرة إرادة اختيار الشيء على غيره والوطر الإرب والحاجة وقضاء الشهوة قال:

وكيف ثوائي في المدينة بعد ما

قضى وطرا منها جميل بن معمر

قال الخليل الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة فإذا بلغها البالغ قيل قد قضى وطره وأربه.

الإعراب:

﴿سنة الله﴾ منصوب على المصدر تقديره سن الله له سنة.

﴿الذين يبلغون﴾ يجوز أن يكون رفعا على المدح تقديره هم الذين يبلغون رسالات الله ويجوز أن يكون نصبا على أعني الذين.

﴿ولكن رسول الله﴾ تقديره ولكن كان رسول الله وكان خاتم النبيين ولو قرىء رسول الله وخاتم النبيين بالرفع لجاز أي ولكن هو رسول الله وخاتم النبيين.

النزول:

نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وكانت بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مولاه زيد بن حارثة ورأت أنه يخطبها على نفسه فلما علمت أنه يخطبها على زيد أبت وأنكرت وقالت أنا ابنة عمتك فلم أكن لأفعل وكذلك قال أخوها عبد الله بن جحش فنزل ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة﴾ الآية يعني عبد الله بن جحش وأخته زينب فلما نزلت الآية قالت رضيت يا رسول الله وجعلت أمرها بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زيدا فدخل بها وساق إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة دنانير وستين درهما مهرا وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقالت زينب خطبني عدة من قريش فبعثت أختي حمنة بنت جحش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أستشيره فأشار بزيد فغضبت أختي وقالت تزوج بنت عمتك مولاك ثم أعلمتني فغضبت أشد من غضبها فنزلت الآية فأرسلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقلت زوجني ممن شئت فزوجني من زيد وقيل نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال قد قبلت وزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فزوجنا عبده فنزلت الآية عن ابن زيد وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شديد الحب لزيد وكان إذا أبطأ عليه زيد أتى منزله فيسأل عنه فأبطأ عليه يوما فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزله فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها قال فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الباب فلما نظر إليها قال سبحان الله خالق النور تبارك الله أحسن الخالقين ورجع فجاء زيد وأخبرته زينب بما كان فقال لها لعلك وقعت في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت أخشى إن تطلقني ولا يتزوجني فجاء زيد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تمام القصة فنزلت الآية ﴿وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه﴾ الآية.

المعنى:

لما تقدم ذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقبه سبحانه بذكر زيد وزوجته فقال ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله﴾ أي إذا أوجب الله ورسوله ﴿أمرا﴾ وألزماه وحكما به ﴿أن يكون لهم الخيرة﴾ أي الاختيار ﴿من أمرهم﴾ على اختيار الله تعالى والمعنى أن كل شيء أمر الله تعالى به أو حكم به فليس لأحد مخالفته وترك ما أمر به إلى غيره ﴿ومن يعص الله ورسوله﴾ فيما يختاران له ﴿فقد ضل ضلالا مبينا﴾ أي ذهب عن الحق ذهابا ظاهرا ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿وإذ تقول﴾ أي واذكر يا محمد حين تقول ﴿للذي أنعم الله عليه﴾ بالهداية إلى الإيمان ﴿وأنعمت عليه﴾ بالعتق وقيل أنعم الله عليه بمحبة رسوله وأنعم الرسول عليه بالتبني عن السدي والثوري وهو زيد بن حارثة ﴿أمسك عليك زوجك﴾ يعني زوجك زينب تقول احبسها ولا تطلقها وهذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول وقال له أمسكها ﴿واتق الله﴾ في مفارقتها ومضارتها ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشيه﴾ والذي أخفاه في نفسه هو أنه أن طلقها زيد تزوجها وخشي لائمة الناس أن يقولوا أمره بطلاقها ثم تزوجها وقيل أن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد وقال له أريد أن أطلق زينب قال له أمسك عليك زوجك فقال سبحانه لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك روي ذلك عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وهذا التأويل مطابق لتلاوة الآية وذلك أنه سبحانه أعلم أنه يبدي ما أخفاه ولم يظهر غير التزويج قال ﴿زوجناكها﴾ فلو كان الذي أضمره محبتها أو إرادة طلاقها لأظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه فدل ذلك على أنه إنما عوتب على قوله ﴿أمسك عليك زوجك﴾ مع علمه بأنها ستكون زوجته وكتمانه ما أعلمه الله به حيث استحيا أن يقول لزيد أن التي تحتك ستكون امرأتي قال البلخي ويجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه أن النبي استحسنها فتمنى أن يفارقها زيد فيتزوجها وكتم ذلك لأن هذا التمني قد طبع عليه البشر ولا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه وقيل أنه إنما أضمر أن يتزوجها إن طلقها زيد من حيث أنها كانت ابنة عمته فأراد ضمها إلى نفسه لئلا يصيبها ضيعة كما يفعل الرجل بأقاربه عن الجبائي قال فأخبر الله سبحانه الناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهره مطابقا لباطنه ولهذا المعنى قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه يوم فتح مكة وقد جاءه عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأمنه منه وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك قد أهدر دمه وأمر بقتله فلما رأى عثمان استحيا من رده وسكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين ثم آمنه بعد تردد المسألة من عثمان وقال أ ما كان منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا فيقتله فقال له عباد بن بشر يا رسول الله إن عيني ما زالت في عينك انتظار أن تؤمي إلي فأقتله فقال أن الأنبياء لا تكون لهم خائنة أعين فلم يستحب الإشارة إلى قتل كافر وإن كان مباحا وقيل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يتزوج بها إذا فارقها ولكنه عزم أن لا يتزوجها مخافة أن يطعنوا عليه فأنزل الله هذه الآية كيلا يمتنع عن فعل المباح خشية الناس ولم يرد بقوله ﴿والله أحق أن تخشاه﴾ خشية التقوى لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتقي الله حق تقاته ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه ولكنه أراد خشية الاستحياء لأن الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قال سبحانه ﴿إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم﴾ وقيل أن زينب كانت شريفة فزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من زيد مولاه ولحقها بذلك بعض العار فأراد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدها شرفا بأن يتزوجها لأنه كان السبب في تزويجها من زيد فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها وقيل أن العرب كانوا ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في الحكم فأراد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبطل ذلك بالكلية وينسخ سنة الجاهلية فكان يخفي في نفسه تزويجها لهذا الغرض كيلا يقول الناس أنه تزوج بامرأة ابنه ويقرفونه بما هو منزه عنه ولهذا قال ﴿أمسك عليك زوجك﴾ عن أبي مسلم ويشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد ﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا﴾ ومعناه فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلقها وانقضت عدتها ولم يكن في قلبه ميل إليها ولا وحشة من فراقها فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشيء على التام ﴿زوجناكها﴾ أي أذنا لك في تزويجها وإنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون عليهم إثم في أن يتزوجوا أزواج أدعيائهم الذين تبنوهم إذا قضى الأدعياء منهن حاجتهم وفارقوهن فبين سبحانه أن الغرض في ذلك أن لا يجري المتبني في تحريم امرأته إذا طلقها على المتبني مجرى الابن من النسب والرضاع في تحريم امرأته إذا طلقها على الأب ﴿وكان أمر الله مفعولا﴾ أي كائنا لا محالة وفي الحديث أن زينب كانت تفتخر على سائر نساء النبي وتقول زوجني الله من النبي وأنتن إنما زوجكن أولياؤكن وروى ثابت عن أنس بن مالك قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزيد اذهب فاذكرها علي قال زيد فانطلقت فقلت يا زينب أبشري قد أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكرك ونزل القرآن وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل عليها بغير إذن لقوله تعالى ﴿زوجناكها﴾ وفي رواية أخرى قال زيد فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرها فوليتها ظهري وقلت يا زينب أبشري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطبك ففرحت بذلك وقالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل ﴿زوجناكها﴾ فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار وعن الشعبي قال كانت زينب تقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وأن السفير لي جبرائيل (عليه السلام) ثم قال سبحانه ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له﴾ أي ما كان على النبي من إثم وضيق فيما أحل الله له من التزويج بامرأة الابن المتبني وقيل فيما فرض وأوجب عليه من التزويج بها ليبطل حكم الجاهلية في الأدعياء ﴿سنة الله في الذين خلوا من قبل﴾ أي كسنة الله في الأنبياء الماضين وطريقته وشريعته فيهم في زوال الحرج عنهم وعن أممهم بما أحل سبحانه لهم من ملاذهم وقيل في كثرة الأزواج كما فعله داود وسليمان (عليهما السلام) وكان لداود مائة امرأة ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية وقيل أشار بالسنة إلى أن النكاح من سنة الأنبياء كما قال النكاح من سنتي فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾ أي كان ما ينزله الله على أنبيائه من الأمر الذي يريده قضاء مقضيا وقيل معناه جاريا على مقدار لا يكون فيه تفاوت من جهة الحكمة وقيل أن القدر المقدر هو ما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان وعليه قول الشاعر:

وأعلم بأن ذا الجلال قد قدر

في الصحف الألى التي كان سطر

ثم وصف سبحانه الأنبياء الماضين وأثنى عليهم فقال ﴿الذين يبلغون رسالات الله﴾ أي يؤدونها إلى من بعثوا إليهم ولا يكتمونها ﴿ويخشونه﴾ أي ويخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم ﴿ولا يخشون أحدا إلا الله﴾ ولا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء والتبليغ وفي هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة ومتى قيل فكيف ما قال لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخشى الناس فالقول إنه لم يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ وإنما خشي المقالة القبيحة فيه والعاقل كما يتحرز عن المضار يتحرز من إساءة الظنون به والقول السيىء فيه ولا يتعلق شيء من ذلك بالتكليف ﴿وكفى بالله حسيبا﴾ أي حافظا لأعمال خلقه ومحاسبا مجازيا عليها ولما تزوج زينب بنت جحش قال الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فقال سبحانه ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم﴾ الذين لم يلدهم وفي هذا بيان أنه ليس باب لزيد فتحرم عليه زوجته فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته ولهذا أشار إليهم فقال ﴿من رجالكم﴾ وقد ولد له (صلى الله عليه وآله وسلم) أولاد ذكور إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر فكان أباهم وقد صح أنه قال للحسن إن ابني هذا سيد وقال أيضا للحسن والحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم وقيل أراد بقوله ﴿رجالكم﴾ البالغين من رجال ذلك الوقت ولم يكن أحد من أبنائه رجلا في ذلك الوقت ﴿ولكن رسول الله﴾ أي ولكن كان رسول الله لا يترك ما أباحه الله تعالى بقول الجهال وقيل إن الوجه في اتصاله بما قبله أنه أراد سبحانه ليس يلزم طاعته وتعظيمه لمكان النسب بينه وبينكم ولمكان الأبوة بل إنما يجب ذلك عليكم لمكان النبوة، ﴿وخاتم النبيين﴾ أي وآخر النبيين ختمت النبوة به فشريعته باقية إلى يوم الدين وهذا فضيلة له صلوات الله عليه وآله اختص بها من بين سائر المرسلين فإن قيل إن اليهود يدعون في موسى مثل ذلك فالجواب أن بعض اليهود يدعون أن شريعته لا تنسخ وهم مع ذلك يجوزون أن يكون بعده أنبياء ونحن إذا أثبتنا نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمعجزات القاهرة وجب نسخ شريعته بذلك ﴿وكان الله بكل شيء عليما﴾ لا يخفى عليه شيء من مصالح العباد وصح الحديث عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إنما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بني دارا فأكملها وحسنها موضع لبنة فكان من دخل فيها فنظر إليها قال ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما.