الآيـة 236

لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴿236﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي تماسوهن بضم التاء وبألف في موضعين هاهنا وفي الأحزاب وقرأ الباقون ﴿تمسوهن﴾ وقرأ أبو جعفر وأهل الكوفة إلا أبا بكر وابن ذكوان قدره بفتح الدال في الموضعين والباقون بإسكانها.

الحجة:

حجة من قرأ ﴿تمسوهن﴾ قوله ﴿ولم يمسسني بشر﴾ و﴿لم يطمثهن﴾ وانكحوهن والنكاح عبارة عن الوطء قال جرير:

التاركون على طهر نساءهم

والناكحون بشطىء دجلة البقرا وحجة من قرأ ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر وذلك نحو طارقت النعل وعاقبت اللص وقال أبو الحسن يقال هو القدر والقدر وهم يختصمون في القدر والقدر قال الشاعر :

ألا يا لقوم للنوائب والقدر

وخذ منه بقدر كذا وقدر كذا لغتان وفي كتاب الله فسالت أودية بقدرها وقدرها ﴿وعلى الموسع قدره﴾ وقدره وما قدروا الله حق قدره ولو حركت كان جائزا وكذلك إنا كل شيء خلقناه بقدر ولو خففت كان جائزا إلا أن رءوس الآي كلها متحركة فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح.

اللغة:

الموسع الذي يكون في سعة لغناه والمقتر الذي يكون في ضيق لفقره يقال أوسع الرجل إذا كثر ماله واتسعت حاله وأقتر إذا افتقر وقترت الشيء أقتره قترا وقترته تقتيرا إذا ضيقت الإنفاق منه والقتار دخان الشحم على النار لقلته بالإضافة إلى بقيته والقتر الغبار والقتير مسامير الدرع لقلتها وصغرها والقتير ابتداء الشيب لقلته ويجوز أن يكون مشبها بالدخان أول ما يرتفع والقترة ناموس الصائد لأنها كالقتار وأصل الباب الإقلال وقدرت الشيء أقدره وأقدره قدرا وقدرت على الشيء أقدر عليه قدرة وقدورا.

الإعراب:

﴿ما لم تمسوهن﴾ موصول وصلة في موضع نصب تقديره مدة ترك المس فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والعامل في الظرف طلق وجواب الشرط محذوف تقديره إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم متاعا نصب على أحد وجهين إما أن يكون حالا من قدره والعامل فيه الظرف أي ممتعا متاعا وأما على المصدر أي متعوهن متاعا وحقا ينتصب أيضا على أحد وجهين إما أن يكون حالا من قوله ﴿بالمعروف﴾ والعامل فيه معنى عرف حقا وإما أن يكون على التأكيد بجملة الخبر فكأنه قال أخبركم به حقا أو أحقه حقا أو حق ذلك عليهم حقا كأنه قال إيجابا على المحسنين.

المعنى:

ثم بين سبحانه حكم الطلاق قبل الفرض والمسيس فقال ﴿لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن﴾ هذا إباحة للطلاق قبل المسيس وفرض المهر فرفع الإثم عن الطلاق قبل الدخول لئلا يتوهم أحد أن الطلاق في هذه الحالة محظور والمس كناية عن الوطء والمفروض صداقها داخلة في دلالة الآية وإن لم يذكر لأن التقدير ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لهن ﴿أو﴾ لم ﴿تفرضوا لهن فريضة﴾ لأن أو تنبىء عن ذلك إذ لو كان على الجمع لكان بالواو والمراد بالفريضة الصداق بلا خلاف لأنه يجب بالعقد على المرأة فهو فرض لوجوبه بالعقد ومعناه أو لم تقدروا لهن مهرا مقدرا وإنما خص التي لم يدخل بها الذكر في رفع الجناح دون المدخول بها وإن كان حكمهما واحدا لأمرين (أحدهما) لإزالة الشك على ما قدمنا ذكره (والثاني) لأن له أن يطلق التي لم يدخل بها أي وقت شاء بخلاف المدخول بها فإنه لا يجوز أن يطلقها إلا في طهر لم يجامعها فيه ﴿ومتعوهن﴾ أي أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به والمتعة والمتاع ما يتمتع به ﴿على الموسع قدره﴾ أي على الغني الذي هو في سعة لغناه على قدر حاله ﴿وعلى المقتر قدره﴾ أي على الفقير الذي هو في ضيق بقدر إمكانه وطاقته والمتعة خادم أو كسوة أو رزق عن ابن عباس والشعبي والربيع وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو مذهب الشافعي وقيل هو مثل نصف صداق تلك المرأة المنكوحة عن أبي حنيفة وأصحابه ثم اختلف في ذلك فقيل إنما تجب المتعة للتي لم يسم لها صداق خاصة عن سعيد بن المسيب وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وقيل المتعة لكل مطلقة إلا المختلعة والمبارئة والملاعنة عن الزهري وسعيد بن جبير وأبي العالية وقيل المتعة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فإنما لها نصف الصداق ولا متعة لها عن ابن عمر ونافع وعطاء وهو مذهب الشافعي وقد رواه أصحابنا أيضا وذلك محمول على الاستحباب وقوله ﴿متاعا﴾ أي ومتعوهن متاعا ﴿بالمعروف﴾ أي وسطا ليس فيه إسراف ولا تقتير وقيل متاعا معتبرا بحال الرجل في اليسار والإقتار وقيل معتبرا بحالهما جميعا إذ لا يسوي بين حرة شريفة وبين أمة معتقة ليكون ذلك خارجا عن التعارف عن القاضي وقال أهل المدينة يؤمر الزوج به من غير أن يجبر عليه وعندنا يجبر عليه وبه قال أهل العراق ﴿حقا على المحسنين﴾ أي واجبا على الذين يحسنون الطاعة ويجتنبون المعصية وإنما خص المحسنين بذلك تشريفا لهم لا أنه لا يجب على غيرهم ودل ذلك على وجوب الإحسان على جميعهم فإن على كل إنسان أن يكون محسنا فهو كقوله هدى للمتقين وقيل معناه من أراد أن يحسن فهذا حقه وحكمه وطريقه عن أبي مسلم هذا كله في المطلقة فأما المتوفى عنها زوجها إذا لم يفرض لها صداق فلها الميراث وعليها العدة إجماعا وقال أكثر الفقهاء لها صداق مثلها وحكى أبو علي الجبائي عن بعض الفقهاء أنه قال لا مهر لها وهو الذي يليق بمذهبنا لأنه لا نص لأصحابنا في ذلك.