الآيـة 235

وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿235﴾

النزول:

آية في الكوفي وآيتان في غيرهم يترك ﴿قولا معروفا﴾ الكوفي.

اللغة:

التعريض ضد التصريح وهو أن تضمن الكلام دلالة على ما تريد وأصله من العرض من الشيء الذي هو جانبه وناحية منه وفي الحديث من عرض عرضنا ومن مشى على الكلأ ألقيناه في النهر ومعناه من عرض بالقذف عرضنا له بتأديب لا يبلغ الحد ومن صرح ألقيناه في نهر الحد والفرق بين التعريض والكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة على شيء ليس فيه ذكر له والكناية العدول عن الذكر الأخص بالشيء إلى ذكر يدل عليه فالأول كقول القائل ما أقبح البخل تعرض بأن المخاطب بخيل (والثاني) كقولك زيدا ضربته كنيت عنه بالهاء والخطبة الذكر الذي يستدعي به إلى عقدة النكاح أخذ من الخطاب وهو توجيه الكلام للأفهام والخطبة الوعظ المتسق على ضرب من التأليف وقيل الخطبة ما له أول وآخر مثل الرسالة والخطبة للحال نحو الجلسة والقعدة والإكنان الستر للشيء والكن الستر أيضا والفرق بين الإكنان والكن أن الإكنان الإضمار في النفس ولا يقال كننته في نفسي والكن في معنى الصون وفي التنزيل بيض مكنون والكانون يحتاج إليه في وقت الاكتنان من البرد والكنانة الجعبة الصغيرة تتخذ للنبل والسر في اللغة على ثلاثة أوجه الإخفاء في النفس والشرف في الحسب يقال فلان في سر قومه أي في صميمهم والجماع في الفرج قال امرؤ القيس:

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

كبرت وأن لا يشهد السر أمثالي وقال الأعشى:

ولا تنكحن جارة إن سرها

عليك حرام فانكحن أو تأبدا والعزم عقد القلب على أمر تفعله وفي الحديث خير الأمور عوازمها يعني ما وكدت عزمك عليه والعقدة من العقد وهو الشد وفي المثل يا عاقد اذكر حلا وعقد اليمين خلاف اللغو.

الإعراب:

﴿فيما عرضتم﴾ الجار والمجرور في موضع الحال وكذا في قوله ﴿من خطبة النساء﴾ ﴿أن تقولوا﴾ في موضع نصب بدل من سرا تقديره ولا تواعدوهن إلا قولا معروفا ﴿ولا تعزموا عقدة النكاح﴾ أي على عقدة النكاح فحذف على استخفافا كما قالوا ضرب زيد الظهر والبطن معناه على الظهر والبطن قال سيبويه أن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس عليه.

المعنى:

لما تقدم ذكر عدة النساء وجواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج فقال ﴿ولا جناح عليكم﴾ أي لا حرج ولا ضيق عليكم يا معشر الرجال ﴿فيما عرضتم به من خطبة النساء﴾ المعتدات ولم تصرحوا به وذلك بأن تذكروا ما يدل على رغبتكم فيها ثم اختلف في معناه فقيل التعريض هو أن يقول الرجل للمعتدة إني أريد النكاح وإني أحب امرأة من صفتها كذا وكذا فيذكر بعض الصفات التي هي عليها عن ابن عباس وقيل هو أن يقول إنك لنافعة وإنك لموافقة لي وإنك لمعجبة جميلة فإن قضى الله شيئا كان عن القاسم بن محمد والشعبي وقيل هو كل ما كان من الكلام دون عقدة النكاح عن ابن زيد ﴿أوأكننتم في أنفسكم﴾ أي أسررتم وأضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضي عدتهن وقيل هو إسرار العزم دون إظهاره والتعريض إظهاره عن مجاهد وابن زيد ﴿علم الله أنكم ستذكرونهن﴾ برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح لكم ذلك ﴿ولكن لا تواعدوهن سرا﴾ فيه أقوال (أحدها) أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية والمواعدة في السر تدعو إلى ما لا يحل (وثانيها) أن معناه الزنا عن الحسن وإبراهيم وقتادة وقالوا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية وهو معرض للنكاح فنهوا عن ذلك (وثالثها) أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس وسعيد بن جبير (ورابعها) هو أن يقول لها إني ناكحك فلا تفوتيني نفسك عن مجاهد (وخامسها) أن السر هو الجماع فمعناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع ولا تذكروه عن جماعة.

(وسادسها) أنه إسرار عقدة النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد ويجمع هذه الأقوال ما روي عن الصادق أنه قال لا تصرحوا لهن النكاح والتزويج قال ومن السر أن يقول لها موعدك بيت فلان ﴿إلا أن تقولوا قولا معروفا﴾ يعني التعريض الذي أباحه الله وإلا بمعنى لكن لأن ما قبله هو المنهي عنه وما بعده هو المأذون فيه وتقديره ولكن قولوا قولا معروفا ﴿ولا تعزموا عقدة النكاح﴾ أي على عقدة النكاح يعني لا تبتوا النكاح ولا تعقدوا عقدة النكاح في العدة ولم يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة لأنه أباح ذلك بقوله ﴿أو أكننتم﴾ ﴿حتى يبلغ الكتاب أجله﴾ معناه حتى تنقضي العدة بلا خلاف وقيل الكتاب هو القرآن والمعنى حتى يبلغ فرض الكتاب أي ما فرض في القرآن من العدة والأجل المضروب لها وقيل معناه حتى يبلغ الفرض أجله وعبر بالكتاب عن الفرض كما يقال كتب أي فرض وهذا لأن ما كتب فقد أثبت فقد اجتمعا في معنى الثبوت وقيل أن هذا تشبيه للعدة بالدين المؤجل المكتوب أجله في كتاب فكما يتأخر المطالبة بذلك الدين حتى يبلغ الكتاب أجله كذلك يتأخر خطبة النكاح في العدة إلى انقضاء العدة ﴿واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم﴾ من أسراركم وضمائركم ﴿فاحذروه﴾ فاتقوا عقابه ولا تخالفوا أمره ﴿واعلموا أن الله غفور﴾ لعباده ﴿حليم﴾ يمهل العقوبة المستحقة فلا يعجل بها.