الآيـة 230
فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿230﴾
الإعراب:
موضع أن في قوله ﴿فلا جناح عليهما أن يتراجعا﴾ جر بإضمار الجار وتقديره في أن يتراجعا عن الخليل والكسائي والزجاج وقيل وموضعه نصب وهو اختيار الزجاج وباقي النحويين وموضع أن الثانية وهو ﴿أن يقيما حدود الله﴾ نصب بلا خلاف بظنا وإنما جاز حذف في من ﴿أن يتراجعا﴾ ولم يجز حذفه من المصدر الذي هو التراجع لطول أن بالصلة كما جاز الذي ضربت زيد لطول الذي بالصلة ولم يجز في المصدر كما لم يجز في اسم الفاعل نحو زيد ضارب عمرو ويريد ضاربه.
النزول:
الزهري عن عروة عن عائشة قالت جاءت امرأة رفاعة بن وهب القرظي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وأن ما معه مثل هدبة الثوب وأنه طلقني قبل أن يمسني فارجع إلى ابن عمي فتبسم رسول الله وقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك و تذوقي عسيلته وفي قصة رفاعة وزوجته نزل فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
المعنى:
ثم بين سبحانه حكم التطليقة الثالثة فقال ﴿فإن طلقها﴾ يعني التطليقة الثالثة على ما روي عن أبي جعفر وبه قال السدي والضحاك وقيل هو تفسير قوله ﴿أو تسريح بإحسان﴾ عن مجاهد وهذا على مذهب من جعل التسريح طلاقا ﴿فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره﴾ أي لا تحل هذه المرأة أي لا يحل نكاحها لهذا الرجل الذي طلقها حتى تزوج زوجا غيره ويجامعها واختلف في ذلك فقيل العقد علم بالكتاب والوطء بالسنة عن الجبائي وقيل بل كلاهما علم بالكتاب لأن لفظ النكاح يطلق عليهما فكأنه قيل حتى يتزوج ويجامعها الزوج ولأن العقد مستفاد بقوله ﴿زوجا غيره﴾ والنكاح مستفاد بقوله ﴿حتى تنكح﴾ وإنما أوجب الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل حتى لا يعجلوا بالطلاق وأن يتثبتوا قال أبو مسلم وهذا من الكنايات الفصيحة والإيجاز العجيب ﴿فإن طلقها﴾ الزوج الثاني ﴿فلا جناح عليهما أن يتراجعا﴾ أي فلا جناح على الزوج وعلى المرأة أن يعقدا بينهما عقد النكاح ويعودا إلى الحالة الأولى فذكر النكاح بلفظ التراجع ﴿إن ظنا﴾ أي إن رجيا وقيل علما وقيل اعتقدا ﴿أن يقيما حدود الله﴾ في حسن الصحبة والمعاشرة وأنه يكون بينهما الصلاح ﴿و تلك﴾ إشارة إلى الأمور التي بينها في النكاح والطلاق والرجعة ﴿حدود الله﴾ أوامره ونواهيه ﴿يبينها﴾ يفصلها ﴿لقوم يعلمون﴾ خص العالمين بذكر البيان لهم لأنهم هم الذين ينتفعون ببيان الآيات فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد به ويجوز أيضا أن يكونوا خصوا بالذكر تشريفا لهم كما خص جبرائيل وميكائيل بالذكر من بين الملائكة و تدل الآية على أنه إذا طلقها الثالثة فلا تحل له إلا بعد شرائط الزوج الثاني ووطئه في القبل و فرقته و انقضاء عدتها.
وصفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا ويعقد عليها عقدا صحيحا دائما واختلف في التحليل على ثلاثة أقاويل فمنهم من قال إذا نوى التحليل يفسد النكاح ولا تحل للأول عن مالك والأوزاعي والثوري وروي نحوه عن أبي يوسف واحتجوا بقوله (لعن الله المحلل والمحلل له) ومنهم من قال إذا لم يشرط في العقد حل وإذا شرطه يفسد ولا يحل عند الشافعي ومنهم من قال يصح العقد ويبطل الشرط وتحل للأول ولكن يكره ذلك وهو الظاهر من مذهب أبي حنيفة وأهل العراق وقال محمد يصح النكاح ولا تحل للأول وفي قوله ﴿فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره﴾ دلالة على أن النكاح بغير ولي جائز وإن المرأة يجوز لها أن تعقد على نفسها لأنه أضاف العقد إليها دون وليها.