الآيـة 222

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴿222﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير حفص حتى يطهرن بتشديد الطاء والهاء والباقون بالتخفيف.

الحجة:

من قرأ ﴿يطهرن﴾ فإنه من طهرت المرأة وطهرت طهرا وطهارة وطهرت بالفتح أقيس لأنه خلاف طمثت فينبغي أن يكون على بنائه وأيضا فقولهم طاهر يدل على أنه مثل قعد فهو قاعد ومن قرأ يطهرن فإنه يتطهرن فأدغم التاء في الطاء.

اللغة:

حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا والمصدر من هذا الباب المفعل والمفعل جائز فيه قال الراعي:

بنيت مرافقهن فوق مزلة

لا يستطيع بها القراد مقيلا أي قيلولة وامرأة حائض ونساء حيض والاعتزال التنحي عن الشيء وكل شيء نحيته عن موضع فقد عزلته عنه ومنه عزل الوالي وأنت عن هذا بمعزل أي متنحي وعزلاء المزادة مخرج الماء من إحدى جانبيها والجمع عزال والمعزال من الناس الذي لا ينزل مع القوم في السفر لكنه ينزل ناحية والطهر خلاف الدنس والطهور يكون اسما ويكون صفة فإذا كان اسما كان على ضربين (أحدهما) أن يكون مصدرا كما حكاه سيبويه تطهرت طهورا حسنا وتوضأت وضوءا (والآخر) أن يكون اسما ليس بمصدر كما جاء في قوله (طهورا ناء أحدكم) كذا وهو اسم لما يطهر كالفطور والوجور والسعوط والسحور وأما كونه صفة فهو في قوله ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ فهذا كالرسول والعجوز ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على فعول ولا دلالة فيه على التكرير لما لم يكن متعديا نحو ضروب أ لا ترى أن فعله غير متعد كما يتعدى ضربت ومن الصفة قوله هو الطهور ماؤه لأنه ارتفع به الماء كما يرتفع الاسم بالصفة المتقدمة.

الإعراب:

من حيث جار ومجرور ولكن حيث مبني لا يظهر فيه الإعراب وإنما بني لمشابهة الحرف لأنه لا يفيد إلا مع غيره كالحرف ومن يتعلق بقول ﴿فأتوهن من حيث أمركم الله﴾ جملة في محل الجر بإضافة حيث إليه.

النزول:

قيل كانوا في الجاهلية يتجنبون مؤاكلة الحائض ومشاربتها ومجالستها فسألوا عن ذلك فنزلت الآية عن الحسن وقتادة والربيع وقيل كانوا يستجيزون إتيان النساء في أدبارهن أيام الحيض فلما سألوا عنه بين لهم تحريمه عن مجاهد والأول عندنا أقوى.

المعنى:

ثم بين سبحانه شريعة أخرى فقال ﴿ويسألونك﴾ يا محمد والسائل أبو الدحداح فيما قيل ﴿عن المحيض﴾ أي عن الحيض وأحواله ﴿قل﴾ يا محمد ﴿هو أذى﴾ معناه قذر ونجس عن قتادة والسدي وقيل دم عن مجاهد وقيل هو أذى لهن وعليهن لما فيه من المشقة قاله القاضي ﴿فاعتزلوا النساء في المحيض﴾ أي اجتنبوا مجامعتهن في الفرج عن ابن عباس وعائشة والحسن وقتادة ومجاهد وهو قول محمد بن الحسن ويوافق مذهبنا أنه لا يحرم منها غير موضع الدم فقط وقيل يحرم ما دون الإزار ويحل ما فوقه عن شريح وسعيد بن المسيب وهو قول أبي حنيفة والشافعي ﴿ولا تقربوهن﴾ بالجماع أو ما دون الإزار على الخلاف فيه ﴿حتى يطهرن﴾ بالتخفيف معناه حتى ينقطع الدم عنهن وبالتشديد معناه يغتسلن عن الحسن ويتوضأن عن مجاهد وطاووس وهو مذهبنا ﴿فإذا تطهرن﴾ أي اغتسلن وقيل توضأن وقيل غسلن الفرج ﴿فأتوهن﴾ فجامعوهن وهو إباحة وإن كان صورته صورة الأمر كقوله وإذا حللتم فاصطادوا ﴿من حيث أمركم الله﴾ معناه من حيث أمركم الله تجنبه في حال الحيض وهو الفرج عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وقيل من قبل الطهر دون الحيض عن السدي والضحاك وقيل من قبل النكاح دون الفجور عن ابن الحنفية والأول أليق بالظاهر قال الزجاج معناه من الجهات التي تحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحب أي لا تقربوهن وهن صائمات أو محرمات أو معتكفات وقال الفراء ولو أراد الفرج لقال في حيث فلما قال من حيث علمنا أنه أراد من الجهة التي أمركم الله بها وقال غيره إنما قال من حيث لأن من لابتداء الغاية في الفعل نحو قولك أنت زيدا من مأتاه أي من الوجه الذي يؤتى منه ﴿إن الله يحب التوابين﴾ من الذنوب ﴿ويحب المتطهرين﴾ قيل معناه المتطهرين بالماء عن عطا وقد رواه أصحابنا أيضا في سبب نزول الآية وقيل يحب المتطهرين من الذنوب عن سعيد بن جبير ولم يذكر المتطهرات لأن المؤنث يدخل في المذكر وقيل التوابين من الكبائر والمتطهرين من الصغائر وفي هذه الآية دلالة على وجوب اعتزال المرأة في حال الحيض وفيها ذكر غاية التحريم ويشتمل ذلك على فصول أحدها ذكر الحيض وأقله وأكثره وعندنا أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام وهو قول أهل العراق وعند الشافعي وأكثر أهل المدينة أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وثانيها حكم الوطء في حال الحيض فإن عندنا إن كان في أوله يلزمه دينار وإن كان في وسطه فنصف دينار وإن كان في آخره فربع دينار وقال ابن عباس عليه دينار ولم يفصل وقال الحسن يلزمه بدنة أو رقبة أو عشرون صاعا وثالثها غاية تحريم الوطء واختلف فيه فمنهم من جعل الغاية انقطاع الدم ومنهم من قال إذا توضأت أو غسلت فرجها حل وطؤها عن عطا وطاووس وهو مذهبنا وإن كان المستحب أن لا يقربها إلا بعد الغسل ومنهم من قال إذا انقطع دمها فاغتسلت حل وطؤها عن الشافعي ومنهم من قال إذا كان حيضها عشرا فنفس انقطاع الدم يحللها للزوج وإن كان دون العشرة فلا يحل وطؤها إلا بعد الغسل أو التيمم أو مضي وقت الصلاة عليها عن أبي حنيفة.