الآيات 42-45
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴿42﴾ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ﴿43﴾ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴿44﴾ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ﴿45﴾
اللغة:
الإهطاع الإسراع قال:
في مهطع سرع كان زمامه
في رأس جذع من أراك مشذب وقال آخر:
بدجلة أهلها ولقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماع أي مسرعين وقيل إن الإهطاع مد العنق والهطع طول العنق قال أحمد بن يحيى المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع لا يقلع بصره والإقناع رفع الرأس وقال الزجاج المقنع الرافع والمقنع المرتفع قال الشماخ:
يباكرن العضاة بمقنعات
نواجذهن كالحدء الوقيع
أي كالفئوس المحدبة يصف إبلا ترعى الشجر والطرف مصدر طرفت عين فلان إذا نظرت وهو أن ينظر ثم يغمض والطرف العين أيضا وأفئدتهم هواء أي متجوفة لا تعي شيئا للخوف والفزع شبهها بهواء الجو قال حسان:
ألا أبلغ أبا سفيان عني
فأنت مجوف نخب هواء
وقال زهير:
كان الرحل منها فوق صعل
من الظلمان جؤجؤة هواء والأجل الوقت المضروب لانقضاء الأمد.
الإعراب:
﴿ يوم يأتيهم﴾ نصب على أنه مفعول به والعامل فيه أنذرهم ولا يكون على الظرف لأنه لم يؤمر بالإنذار في ذلك اليوم.
فيقول عطف على يأتيهم وليس جواب الأمر لأنه لو كان جوابا له لجاز فيه النصب والرفع فالنصب مثل قول الشاعر:
يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا
والرفع على الاستئناف ﴿وتبين لكم كيف فعلنا بهم﴾ فاعل تبين محذوف أي تبين لكم فعلنا بهم ولا يكون الفاعل كيف لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولأن كيف لا يخبر عنه وإنما يخبر به وكيف هنا منصوب بقوله ﴿فعلنا﴾.
المعنى:
لما ذكر سبحانه يوم الحساب وصفه وبين أنه لا يمهل الظالمين عن غفلة لكن لتأكيد الحجة قال ﴿ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون﴾ وفي هذا وعيد للظالم وتعزية للمظلوم ومعناه ولا تظنن الله ساهيا عن مجازاة الظالمين على أعمالهم وقيل إن تقديره ولا تحسبن الله لا يعاقب الظالمين على أفعالهم ولا ينتصف للمظلومين منهم ﴿إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار﴾ ومعناه إنما يؤخر عقابهم ومجازاتهم إلى يوم القيامة وهو اليوم الذي تكون فيه الأبصار شاخصة عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم ولا تطرف عن الجبائي وقيل تشخص أبصارهم إلى إجابة الداعي حين يدعوهم عن الحسن وقيل تبقى أبصارهم مفتوحة لا تنطبق للتحير والرعب ﴿مهطعين﴾ أي مسرعين عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وقيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطوفون عن ابن عباس ومجاهد ﴿مقنعي رءوسهم﴾ أي رافعي رءوسهم إلى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس وذلك من هول يوم القيامة وقال مؤرج معناه ناكسي رءوسهم بلغة قريش ﴿لا يرتد إليهم طرفهم﴾ أي لا ترجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها وإنما هو نظر دائم ﴿وأفئدتهم هواء﴾ أي قلوبهم خالية من كل شيء فزعا وخوفا عن ابن عباس وقيل خالية من كل سرور وطمع في الخير لشدة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السماء والأرض وقيل معناه وأفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج ولا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة المتردد في الهواء عن سعيد بن جبير وقتادة وقيل معناه خالية عن عقولهم عن الأخفش ﴿وأنذر الناس﴾ معناه ودم يا محمد على إنذارك الناس وهو عام في كل مكلف عن الجبائي وأبي مسلم وقيل معناه وخوف أهل مكة بالقرآن عن ابن عباس والحسن ﴿يوم يأتيهم العذاب﴾ وهو يوم القيامة أو يأتيهم العذاب عذاب الاستئصال في الدنيا وقيل هو يوم المعاينة عند الموت والأول أظهر ﴿فيقول الذين ظلموا﴾ نفوسهم بارتكاب المعاصي ﴿ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك﴾ أي ردنا إلى الدنيا واجعل ذلك مدة قريبة نجب دعوتك فيها ﴿ونتبع الرسل﴾ أي نتبع رسلك فيما يدعوننا إليه فيقول الله تعالى مخاطبا لهم أو يقول الملائكة بأمره ﴿أولم تكونوا أقسمتم﴾ أي حلفتم ﴿من قبل﴾ في دار الدنيا ﴿ما لكم من زوال﴾ أي ليس لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة عن مجاهد وقيل معناه من زوال من الراحة إلى العذاب عن الحسن وفي هذه دلالة على أن أهل الآخرة غير مكلفين خلافا لما يقول النجار وجماعة لأنهم لو كانوا مكلفين لما كان لقولهم ﴿أخرنا إلى أجل قريب﴾ وجه ولكان ينبغي لهم أن يؤمنوا فيتخلصوا من العقاب إذا كانوا مكلفين ﴿وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم﴾ هذا زيادة توبيخ لهم وتعنيف أي وسكنتم ديار من كذب الرسل قبلكم فأهلكهم الله وعرفتم ما نزل بهم من البلاء والهلاك والعذاب المعجل عن ابن عباس والحسن ومساكنهم دورهم وقراهم وقيل إنهم عاد وثمود وقيل هم المقتولون ببدر ﴿وضربنا لكم الأمثال﴾ وبينا لكم الأشباه وأخبرناكم بأحوال الماضين قبلكم لتعتبروا بها فلم تعتبروا ولم تتعظوا وقيل الأمثال ما ذكر في القرآن مما يدل على أنه تعالى قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء والابتداء وقيل هي الأمثال المنبهة على الطاعة الزاجرة عن المعصية عن الجبائي وفي هذه الآيات دلالة على أن الإيمان من فعل العبد إذ لو كان من فعل الله تعالى لم يكن لتمني العود إلى الدنيا معنى.