الآيات 31-34
قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ﴿31﴾ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ كَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ﴿32﴾ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴿33﴾ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴿34﴾
القراءة:
قرأ زيد عن يعقوب من كل ما سألتموه بالتنوين وهو قراءة ابن عباس والحسن ومحمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) والضحاك وعمرو بن قائد وقرأ سائر القراء ﴿من كل ما سألتموه﴾ بالإضافة.
الحجة:
أما القراءة بالتنوين فإن المفعول فيها ملفوظ به أي وأتاكم ما سألتموه من كل شيء سألتموه أن يؤتيكم منه وقال الضحاك أن ما للنفي معناه وآتاكم من كل شيء لم تسألوه إياه أما القراءة على الإضافة فالمفعول فيها محذوف أي وآتاكم سؤالكم من كل شيء سألتموه.
اللغة:
الخلال مصدر خاللته مخالة وخلالا أي صادقته قال امرؤ القيس:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى
ولست بمقلي الخلال ولا قال وقد يكون الخلال جمع خلة ويكون مثل قلة وقلال والدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه يقال دأب يدأب دأبا ودئوبا فهو دائب.
الإعراب:
يقيموا جزم من ثلاثة أوجه (أحدها) أنه جواب الأمر الذي هو قل لأن المعنى في قل أن تقل لهم يقيموا الصلاة (والثاني) أنه جواب أمر محذوف وتقديره قل لعبادي أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة (والثالث) أنه على حذف لام الأمر كأنه قال قل لعبادي ليقيموا الصلاة وإنما جاز حذف اللام هنا لأن في الكلام دليلا على المحذوف أ لا ترى أن لفظ الأمر بقل قد دل على الغائب تقول قل لزيد ليضرب عمروا وإن شئت قلت قل لزيد يضرب عمروا ولا يجوز أن تقول يضرب زيد عمروا بالجزم حتى تقول ليضرب لأن لام الغائب ليس هاهنا عوض منها إذا حذفتها وقوله ﴿لا بيع فيه ولا خلال﴾ إن شئت رفعت البيع والخلال جميعا وإن شئت فتحتهما وإن شئت فتحت أحدهما ورفعت الآخر وقد شرحنا ذلك فيما مضى.
المعنى:
﴿قل﴾ يا محمد ﴿لعبادي الذين آمنوا﴾ أي اعترفوا بتوحيد الله وعدله عنى به أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس وقيل أراد به جميع المؤمنين عن الجبائي ﴿يقيموا الصلاة﴾ أي يؤدوا الصلوات الخمس لمواقيتها فإن الصلاة لا تصير قائمة إلا بإقامتهم ﴿وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية﴾ أي وقل لهم ينفقوا من أموالهم في وجوه البر من الفرائض والنوافل ينفقون في النوافل سرا ليدفعوا عن أنفسهم تهمة الرياء وفي الفرائض علانية ليدفعوا تهمة المنع ﴿من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه﴾ يعني يوم القيامة والمراد بالبيع إعطاء البدل ليتخلص به من النار لا أن هناك مبايعة ﴿ولا خلال﴾ أي ولا مصادقة وهذا مثل قوله الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ثم بين سبحانه أنه المستحق للإلهية فقال ﴿الله الذي خلق السماوات والأرض﴾ أي أنشأهما من غير شيء وبدأ بذكرهما لعظم شأنهما في القدرة والنعمة ﴿وأنزل من السماء ماء﴾ أي غيثا ومطرا ﴿فأخرج به﴾ أي بذلك الماء ﴿من الثمرات رزقا لكم﴾ يعني أن الغرض في ذلك أن يؤتيكم أرزاقكم ﴿وسخر لكم الفلك﴾ أي السفن والمراكب ﴿لتجري في البحر بأمره﴾ أي بأمر الله لأنها يسير بالرياح والله هو المنشىء للرياح ﴿وسخر لكم الأنهار﴾ التي تجري بالمياه التي ينزلها من السماء ويجريها في الأودية وينصب منها في الأنهار ﴿وسخر لكم الشمس والقمر﴾ أي ذلل لمنافعكم الشمس والقمر في سيرهما لتنتفعوا بضوء الشمس نهارا وبضوء القمر ليلا وليبلغ بها الثمار والنبات في النضج الحد الذي عليه تتم النعمة فيهما ﴿دائبين﴾ أي دائمين لا يفتران في صلاح الخلق والنباتات ومنافعهم ﴿وسخر لكم الليل والنهار﴾ أي ذللهما لكم ومهدهما لمنافعكم لتسكنوا في الليل ولتبتغوا في النهار من فضله ﴿وآتاكم من كل ما سألتموه﴾ معناه أن الإنسان قد يسأل الله العافية فيعطي ويسأله النجاة فيعطي ويسأله الغنى فيعطي ويسأله الولد والعز فيعطي ويسأله تيسير الأمور وشرح الصدور فيعطي فهذا في الجملة حاصل في الدعاء لله تعالى ما لم يكن فيه مفسدة في الدين أو على غيره فأين يذهب به مع هذه النعم التي لا تحصى كثرة عن الله الذي هو في كل حال محتاج إليه وهو مظاهرة بالنعم عليه ودخلت من للتبعيض لأنه لو قال وآتاكم كل ما سألتموه لاقتضى أن جميع ما يسأله العبد يعطيه الله تعالى والأمر بخلافه لأن ما فيه مفسدة لا يعطيه الله إياه وتقديره وآتاكم من كل ما سألتم شيئا وقيل معناه وآتاكم من كل ما بكم إليه حاجة فما من شيء يحتاج إليه العباد إلا وهو موجود فيما بينهم وهو كقوله خلق لكم ما في الأرض جميعا ولم يخصص كل واحد من الخلق بإيتاء كل ما سأله وقيل معناه وآتاكم من كل شيء سألتموه ولم تسألوه فما هاهنا نكرة موصوفة والجملة صفة له وحذف الجملة المعطوفة وهي لم تسألوه كقوله سرابيل تقيكم الحر والمعنى وتقيكم البرد وإن فيما أبقي دليلا على ما ألقى ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ أي لا تقدروا على إحصائها لكثرتها والنعمة هنا اسم أقيم مقام المصدر ولذلك لم يجمع فبين سبحانه أنه هو المنعم على الحقيقة وأنه المستحق للعبادة ويروى عن طليق بن حبيب أنه قال إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد فإن نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين ﴿إن الإنسان لظلوم﴾ أي كثير الظلم لنفسه ﴿كفار﴾ أي كثير الكفران لنعم ربه وقيل معناه ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع ولم يرد بالإنسان هاهنا العموم بل هو مثل ما في قوله والعصر إن الإنسان لفي خسر.
النظم:
اتصل قوله سبحانه ﴿قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة﴾ بما تقدم من قوله ﴿قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار﴾ فإنه عقب ذلك بالأمر للمؤمنين بما يوجب النعيم المقيم ومرافقة الأبرار ليكون قد عقب الوعيد بالوعد والعقاب بالثواب واتصلت الآية الثانية بقوله ﴿وجعلوا لله أندادا﴾ فإنه سبحانه لما ذكر ما هم عليه من اتخاذ الأنداد لله سبحانه بين بعده أن واجب الوجود المستحق للإلهية الذي يحق له العبادة هو الله الذي خلق السماوات والأرض الآية.