الآيـة 217

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿217﴾

اللغة:

الصد والمنع والصرف نظائر يقال صد عن الشيء يصد صدودا وصدا إذا أعرض وعدل عنه وصد غيره يصده صدا إذا عدل به عنه ومنعه والصدد ما استقبلك وصار في قبالتك لأنه يعدل إلى مواجهتك والصدان ناحيتا الشعب والوادي والصداد ضرب من الجرذان يعد لك لشدة تحرزه والصداد الوزغ لأنه يعدل عنه استقذارا له وأصل الباب العدو.

لا يزال أصله من الزوال وهو العدول ومعنى لا يزال يدوم موجودا وما زال أي دام.

وحبط عمل الرجل حبطا وحبوطا وأحبطه الله إحباطا والحبط فساد يلحق الماشية في بطونها لأكل الحباط وهو ضرب من الكلأ يقال حبطت الإبل تحبط حبطا إذا أصابها ذلك ثم سمي الهلاك حبطا وفي الحديث أن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم.

الإعراب:

قتال فيه مجرور على البدل من الشهر وهو بدل الاشتمال لأن الزمان يشتمل على ما يقع فيه ومثله في المكان قوله ﴿قتل أصحاب الأخدود﴾ النار وقال الأعشى:

لقد كان في حول ثواء ثوبته تقضي لبانات ويسأم سائم وقال الكوفيون هو مجرور على إضمار عن وقال بعضهم هو على التكرير وهذه ألفاظ متقاربة في المعنى وإن اختلف في العبارة عنه وقوله ﴿قتال﴾ مرفوع بالابتداء وكبير خبره ﴿وصد عن سبيل الله﴾ مبتدأ ﴿وكفر به﴾ معطوف عليه ﴿وإخراج أهله منه﴾ معطوف عليه أيضا وخبره ﴿أكبر عند الله﴾ أي هذه الأشياء أكبر عند الله أي أعظم إثما وأجاز الفراء رفعه على وجهين (أحدهما) أنه مردود على كبير أي ﴿قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به﴾ أي القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد عن سبيل الله وكفر به (والآخر) أن يجعل الصد الكبير أي القتال فيه كبير والصد عن سبيل الله كبير فيكون مرتفعا بالابتداء وخبره محذوف وخطأه العلماء بالنحو قالوا لأنه يصير المعنى في التقدير الأول قل القتال في الشهر الحرام كفر بالله وهذا خطأ بالإجماع ويصير التقدير في الثاني وإخراج أهله منه أكبر عند الله من الكفر وهذا أيضا خطأ بالإجماع وللفراء أن يقول في هذه : المعنى وإخراج أهله منه أكبر من القتل فيه لا من الكفر به لأن المعنى في إخراج أهله منه إخراج النبي والمؤمنين بعده فأما الوجه الأول فلا مخلص للفراء منه والمسجد الحرام مجرور عطف على سبيل الله كأنه قال وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وهو قول المبرد وقيل أنه عطف على الشهر الحرام كأنه قال يسألونك عن القتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام وهو قول الفراء ولا يجوز حمله على الباء في قوله ﴿وكفر به﴾ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار إلا في ضرورة الشعر ومن يرتدد على إظهار التضعيف لسكون الثاني ويجوز يرتد بفتح الدال على التحريك لالتقاء الساكنين بأخف الحركات ويجوز بكسر الدال على أصل التحريك لالتقاء الساكنين والفتح أجود.

النزول:

قال المفسرون بعث رسول الله سرية من المسلمين وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وهو ابن عمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذلك قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في آخر يوم من جمادى الآخرة وكانوا يرون أنه من جمادى وهو رجب فاختصم المسلمون فقال قائل منهم هذه غرة من عدو وغنم رزقتموه ولا ندري أ من الشهر الحرام هذا اليوم أم لا وقال قائل منهم لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه فغلب على الأمر الذي يريدون عرض الحياة الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المشركين والمسلمين وذلك أول فيء أصابه المسلمون فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا أ يحل القتال في الشهر الحرام فأنزل الله هذه الآية.

المعنى:

﴿يسألونك﴾ يا محمد والسائلون أهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام عن الحسن وأكثر المفسرين وقيل السائلون أهل الإسلام سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه ﴿عن الشهر الحرام قتال فيه﴾ يعني عن قتال في الشهر الحرام وهو رجب سمي بذلك لتحريم القتال فيه ولعظم حرمته ولذلك كان يسمى في الجاهلية منزع الأسنة ومنصل الأل لأنهم كانوا ينزعون الأسنة والنصال عند دخول رجب انطواء على ترك القتال فيه وكان يدعى الأصم لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح فنسب الصمم إليه كما قيل ليل نائم وسر كاتم فكان الناس لا يخاف بعضهم بعضا وتأمن السبل إلى أن ينقضي الشهر ﴿قل﴾ يا محمد ﴿قتال فيه﴾ أي في الشهر الحرام ﴿كبير﴾ أي ذنب عظيم ثم استأنفه وقال ﴿وصد عن سبيل الله وكفر به﴾ أي والصد عن سبيل الله والكفر بالله ﴿والمسجد الحرام﴾ أي والصد عن المسجد الحرام وعلى القول الآخر معناه يسألونك عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام وقيل معناه والكفر والمسجد الحرام عن الجبائي فحمله عن الباء في قوله ﴿وكفر به﴾ ﴿وإخراج أهله﴾ يعني أهل المسجد وهم المسلمون و﴿منه﴾ أي من المسجد ﴿أكبر﴾ أي أعظم وزرا ﴿عند الله﴾ يعني إخراجهم المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة والظاهر يدل على أن القتال في الشهر الحرام كان محرما لقوله ﴿قل قتال فيه كبير﴾ وذلك لا يقال إلا فيما هو محرم محظور وقيل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عقل ابن الحضرمي وقوله ﴿والفتنة أكبر من القتل﴾ معناه الفتنة في الدين وهو الكفر أعظم من القتل في الشهر الحرام يعني قتل ابن الحضرمي وقال قتادة وغيره أن تحريم القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام منسوخ بقوله ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة﴾ وبقوله ﴿اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾ وقال عطاء هو باق على التحريم وعندنا أنه باق على التحريم فيمن يرى لهذه الأشهر حرمة ولا يبتدئون فيها بالقتال وكذلك في الحرم وإنما أباح الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قتال أهل مكة عام الفتح فقال (عليه السلام) إن الله أحلها لي في هذه الساعة ولا يحلها لأحد من بعدي إلى يوم القيامة ومن لا يرى منهم حرمة الحرم وحرمة هذه الأشهر جاز قتاله أي وقت كان والتحريم منسوخ في حقه وقوله تعالى : ﴿ولا يزالون يقاتلونكم﴾ يعني أهل مكة يقاتلونكم يا معشر المسلمين ﴿حتى يردوكم عن دينكم﴾ أي يصرفوكم عن دين الإسلام ويلجئوكم إلى الارتداد ﴿إن استطاعوا﴾ أي إن قدروا على ذلك ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه﴾ هذا تحذير عن الارتداد ببيان استحقاق العذاب عليه ﴿فيمت وهو كافر﴾ يعني مات على كفره ﴿فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾ معناه أنها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به لأن إحباط العمل وإبطاله عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب وليس المراد أنهم استحقوا على أعمالهم الثواب ثم انحبط لأنه قد دل الدليل على أن الإحباط على هذا الوجه لا يجوز ﴿وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ أي دائمون.

النظم:

نظم الآية وتقديرها يسألونك عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام فقل ذلك كبير ولكن الكفر بالله وصد المسلمين عن بيت الله ودينه وإخراجهم عن أوطانهم أعظم عند الله وأكبر وزرا وهؤلاء الكفار مع هذه الأفعال يقاتلونكم ليردوكم عن الدين فكل واحد من هذا أعظم مما سألوا عنه.