الآيـة 214

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴿214﴾

القراءة:

قرأ نافع وحده حتى يقول بالرفع والباقون بالنصب.

الحجة:

من نصب فالمعنى وزلزلوا إلى أن قال الرسول وما ينصب بعد حتى جاء من الأفعال على ضربين (أحدهما) أن يكون بمعنى إلى كما في الآية والآخر أن يكون بمعنى كي كما تقول أسلمت حتى أدخل الجنة فهذا تقديره أسلمت كي أدخل الجنة فالإسلام قد كان والدخول لم يكن وفي الوجه الأول كلا الفعلين السبب والمسبب قد مضى وأما من قرأ بالرفع فالفعل الواقع بعد حتى لا يكون إلا فعل حال ويجيء أيضا على ضربين (أحدهما) أن يكون الفعل الأول الذي هو السبب قد مضى والفعل الثاني المسبب لم يمض كما تقول مرض حتى لا يرجونه وتتجه الآية على هذا الوجه لأن المعنى زلزلوا فيما مضى حتى أن الرسول يقول الآن ﴿متى نصر الله﴾ وحكيت الحال التي كانوا عليها كما حكيت الحال في قوله هذا من شيعته وهذا من عدوه (والثاني) أن يكون الفعلان جميعا قد مضيا نحو سرت حتى أدخلها فالدخول متصل بالسير بلا فصل بينهما والحال محكية كما كانت في الوجه الأول أ لا ترى أن ما مضى لا يكون حالا وحتى إذا رفع الفعل بعدها حرف يستأنف الكلام بعدها وليست العاطفة ولا الجارة وإذا نصب الفعل بعدها فهي الجارة وينصب الفعل بعدها بإضمار أن كما ينصب بعد اللام والفعل وأن المضمرة معها في موضع جر.

اللغة:

الزلزلة شدة الحركة والزلزال البلية المزعجة لشدة الحركة والجمع زلازل وأصله من قولك زل الشيء عن مكانه ضوعف لفظه لمضاعفة معناه نحو صر وصرصر وصل وصلصل فإذا قلت زلزلته فتأويله كررت تحريكه عن مكانه.

الإعراب:

أم هذه هي المنقطعة ومعناه بل أحسبتم والفرق بين أحسبتم وأم حسبتم أن أم لا تكون إلا متصلة بكلام والألف تكون مستأنفة.

أن تدخلوا صلة وموصول في موضع نصب بأنه مفعول حسبتم وقد سدا مسد مفعوليه وقيل مفعوله الثاني محذوف وتقديره أم حسبتم دخولكم الجنة ثابتا والجنة نصب لأنها ظرف مكان لتدخلوا ولما أصلها لم زيد عليها ما فغيرت معناها كما غيرت معنى لو إذا قلت لو ما فصيرته بمعنى هلا والفرق بين لم ولما إن لما يصح أن يوقف عليها مثل قولك في جواب من يقول أقدم الأمير؟ لما ولا يجوز أن يقول لم وفي لما توقع لأنها عقيبة قد إذا انتظر قوم ركوب الأمير قلت قد ركب فإن نفيت هذا قلت لما يركب وليس كذلك لم ويجمعهما نفي الماضي مثل مرفوع بأنه صفة محذوف مرفوع بياتي تقديره ولما يأتكم نصب مثل الذي أصاب الذين خلوا من قبلكم وإضافة مثل غير حقيقية لأنه في تقدير الانفصال فالمجرور في تقدير المنصوب لأنه مفعول ولما مع الجملة في موضع نصب على الحال والواو واو الحال وتقديره أن تدخلوا الجنة غير مصابين ومستهم البأساء في موضع الحال أيضا بإضمار قد والعامل فيه خلوا وزلزلوا معطوفة على مستهم ونصر الله مبتدأ وإضافته غير حقيقية ومتى في موضع خبر المبتدأ.

النزول:

قيل نزلت يوم الخندق لما اشتدت المخافة وحوصر المسلمون في المدينة فدعاهم الله إلى الصبر ووعدهم بالنصر عن قتادة والسدي وقيل نزلت في حرب أحد لما قال عبد الله بن أبي لأصحاب النبي إلى متى تقتلون أنفسكم لو كان محمد نبيا ما سلط الله عليه الأسر والقتل وقيل نزلت في المهاجرين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة إذ تركوا ديارهم وأموالهم ومسهم الضر عن عطا.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه ما جرى على المؤمنين من الأمم الخالية تسلية لنبيه ولأصحابه فيما لهم من المشركين وأمثالهم لأن سماع أخبار الخيار الصالحين يرغب في مثل أحوالهم فقال ﴿أم حسبتم﴾ معناه بل أ ظننتم وخلتم أيها المؤمنون ﴿أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم﴾ معناه ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحنوا به فتصبروا كما صبروا وهذه استدعاء إلى الصبر وبعده الوعد بالنصر والمثل مثل الشبه والشبه أي لم يصبكم شبه الذين خلوا أي مضوا قبلكم من النبيين والمؤمنين وفي الكلام حذف وتقديره مثل محنة الذين أو مصيبة الذين مضوا ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال ﴿مستهم البأساء والضراء﴾ والمس واللمس واحد والبأساء نقيض النعماء والضراء نقيض السراء وقيل البأساء القتل والضراء الفقر وقيل هو ما يتعلق بمضار الدين من حرب وخروج من الأهل والمال وإخراج فمدحوا بذلك إذ توقعوا الفرج بالصبر ﴿وزلزلوا﴾ أي حركوا بأنواع البلايا وقيل معناه هنا أزعجوا بالمخافة من العدو وذلك لفرط الحيرة ﴿حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله﴾ قيل هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن وإنما قاله الرسول استبطاء للنصر على جهة التمني وقيل إن معناه الدعاء لله بالنصر ولا يجوز أن يكون على جهة الاستبطاء لنصر الله لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوقت الذي توجبه الحكمة ثم أخبر الله سبحانه أنه ناصر أوليائه لا محالة فقال ﴿ألا إن نصر الله قريب﴾ وقيل إن هذا من كلامهم بأنهم قالوا عند الإياس ﴿متى نصر الله﴾ ثم تفكروا فعلموا أن الله منجز وعده فقالوا ﴿ألا أن نصر الله قريب﴾ وقيل أنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيلا وقال المؤمنون ﴿متى نصر الله﴾ وقال الرسول ﴿ألا إن نصر الله قريب﴾ كقوله جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضله بالنهار.