الآيات 23-26

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ﴿23﴾ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ﴿24﴾ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴿26﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الحسن وأدخل الذين آمنوا برفع اللام.

الحجة:

قال ابن جني: هذه القراءة على أن أدخل من كلام الله كأنه قطع الكلام واستؤنف فقال الله وأنا أدخل المؤمنين جنات وعلى هذا فقوله ﴿بإذن ربهم﴾ أي بإذني إلا أنه أعاد ذكر الرب ليضيفه إليهم فيكون أذهب في الإكرام والتقريب منه لهم.

اللغة:

التحية التلقي بالكرامة في المخاطبة وأما قوله (التحيات لله) فإن في ذلك ثلاثة أقوال (أولها) المعنى أن الملك لله يقال حياك الله أي ملكك (وثانيها) البقاء لله يقال حياك الله أي أبقاك الله فيكون بمعنى أحياك الله كما يقال وصى وأوصى ومهل وأمهل (وثالثها) أن ذلك بمعنى السلام قال القتيبي وإنما جمع لأنه كان في الأرض ملوك يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم أبيت اللعن ولبعضهم أسلم وأنعم ولبعضهم عش ألف سنة فقيل لنا قولوا التحيات لله أي كل الألفاظ التي يحيا بها الملوك هي لله والاجتثاث اقتلاع الشيء من أصله يقال جثة واجتثه والجثة أخذت منه.

المعنى:

لما تقدم وعيد الكافرين عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال ﴿وأدخل الذين آمنوا﴾ أي صدقوا الله ورسوله ﴿وعملوا الصالحات﴾ أي الطاعات ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها﴾ قد سبق معناه ﴿بإذن ربهم﴾ أي بأمر ربهم وإطلاقه ﴿تحيتهم فيها سلام﴾ مر تفسيره في سورة يونس ثم ضرب الله سبحانه مثل يقرب من أفهام السامعين ترغيبا للخلق في اتباع الحق فقال ﴿ألم تر﴾ أي ألم تعلم يا محمد ﴿كيف ضرب الله مثلا﴾ أي بين الله شبها ثم فسر ذلك المثل فقال ﴿كلمة طيبة﴾ وهي كلمة التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله عن ابن عباس وقيل هي كل كلام أمر الله تعالى به من الطاعات عن أبي علي قال وإنما سماها طيبة لأنها زاكية نامية لصاحبها بالخيرات والبركات ﴿كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾ أي شجرة زاكية نامية راسخة أصولها في الأرض عالية أغصانها وثمارها في السماء وأراد به المبالغة في الرفعة والأصل سافل والفرع عال إلا أنه يتوصل من الأصل إلى الفرع وروى أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن هذه الشجرة الطيبة هي النخلة وقيل إنها شجرة في اللجنة عن ابن عباس وروى ابن عقدة عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفرعها علي (عليه السلام) وعنصر الشجرة فاطمة وثمرتها أولادها وأغصانها وأوراقها شيعتنا ثم قال (عليه السلام) أن الرجل من شيعتنا ليموت فيسقط من الشجرة ورقة وأن المولود من شيعتنا ليولد فيورق مكان تلك الورقة ورقة وروي عن ابن عباس قال: قال جبريل (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنت الشجرة وعلي غصنها وفاطمة ورقها والحسن والحسين ثمارها وقيل أراد بتلك شجرة هذه صفتها وأن لم يكن لها وجود في الدنيا لكن الصفة معلومة وقيل إن المراد بالكلمة الطيبة الإيمان وبالشجرة الطيبة المؤمن ﴿تؤتي أكلها﴾ أي تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها ﴿كل حين﴾ أي في كل ستة أشهر عن ابن عباس وأبي جعفر (عليه السلام) وقال الحسن وسعيد بن جبير أراد بذلك أنه يؤكل ثمرها في الصيف وطلعها في الشتاء وما بين صرام النخلة إلى حملها ستة أشهر وقال مجاهد وعكرمة كل حين أي كل سنة لأنها تحمل في كل سنة مرة وقال سعيد بن المسيب في كل شهرين لأن من وقت ما يطعم النخل إلى صرامه يكون شهرين وقيل لأن من وقت أن يصرم النخل إلى حين يطلع يكون شهرين وقال الربيع بن أنس كل حين أي كل غدوة وعشية وروي ذلك عن ابن عباس أيضا وقيل معناه في جميع الأوقات لأن ثمر النخل يكون أولا طلعا ثم يصير بلحا ثم بسرا ثم رطبا ثم تمرا فيكون ثمره موجودا في كل الأوقات ويدل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة في صفة الحية والملدوغ:

تناذرها الراقون من سوء سمها

تطلقه حينا وحينا تراجع

يعني أن السم يخف ألمه وقتا ويعود وقتا وقيل إنه سبحانه شبه الإيمان بالنخلة لثبات الإيمان في قلب المؤمن كثبات النخلة في منبتها وشبه ارتفاع علمه إلى السماء بارتفاع فروع النخلة وشبه ما يكسبه المؤمنون من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت وحين بما ينال من ثمرة النخلة في أوقات السنة كلها من الرطب والتمر وقيل إن معنى قوله ﴿تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾ ما يفتي به الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وشيعتهم في الحلال والحرام ﴿ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون﴾ أي لكي يتدبروا فيعرفوا الغرض بالمثل ﴿ومثل كلمة خبيثة﴾ وهي كلمة الكفر والشرك عن ابن عباس وغيره وقيل هو كل كلام في معصية الله تعالى عن أبي علي ﴿كشجرة خبيثة﴾ غير زاكية وهي شجرة الحنظل عن ابن عباس وأنس ومجاهد وقيل إنها شجرة هذه صفتها وهو أنه لا قرار لها في الأرض عن الحسن وقيل إنها الكشوث عن الضحاك وروى أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أن هذا مثل بني أمية ﴿اجتثت من فوق الأرض﴾ أي اقتطعت واستؤصلت واقتلعت جثته من الأرض ﴿ما لها من قرار﴾ أي ما لتلك الشجرة من ثبات فإن الريح تنسفها وتذهب بها فكما أن هذه الشجرة لا ثبات لها ولا بقاء ولا ينتفع بها أحد فكذلك الكلمة الخبيثة لا ينتفع بها صاحبها ولا يثبت له منها نفع ولا ثواب وروي عن ابن عباس أيضا أنها شجرة لم يخلقها الله بعد وإنما هو مثل ضربه بهذا وهذا القول حسن لأن الحنظل وغيره قد ينتفع بذلك في الأدوية.