الآيات 78-80

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴿78﴾ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴿79﴾ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿80﴾

اللغة:

للتناهي هاهنا معنيان (أحدهما) أنه تفاعل من النهي أي كانوا لا ينهى بعضهم بعضا (والثاني) أنه بمعنى الانتهاء يقال انتهى عن الأمر وتناهي عنه إذا كف عنه.

الإعراب:

﴿لبئس ما﴾ يجوز أن يكون ما هاهنا كافة لبئس كما تكف في إنما ولكنما وبعد ما وربما واللام فيه للقسم ويجوز أن يكون اسما نكرة فكأنه قال بئس شيئا فعلوه كما تقول بئس رجلا كان عندك ومحل ﴿أن سخط الله عليهم﴾ رفع كرفع زيد في قولك بئس رجلا زيد فيكون مبتدأ وبئس وما عملت فيه خبره أو يكون خبر مبتدإ محذوف كأنه لما قال بئس رجلا قيل من هو فقال زيد أي هو زيد ويجوز أن يكون محله نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط الله عليهم.

المعنى:

ثم أخبر تعالى عما جرى على أسلافهم فقال ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم﴾ قيل في معناه أقوال (أحدها) أن معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير وإنما خص عيسى وداود لأنهما أنبه الأنبياء المبعوثين من بعد موسى ولما ذكر داود أغنى عن ذكر سليمان لأن قولهما واحد عن الحسن ومجاهد وقتادة وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) أما داود فإنه لعن أهل إيلة لما اعتدوا في سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه فقال اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة فأما عيسى (عليه السلام) فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك (وثانيها) ما قاله ابن عباس أنه يريد في الزبور وفي الإنجيل ومعنى هذا إن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل وفي الإنجيل كذلك فلذلك قيل ﴿على لسان داود وعيسى﴾ (وثالثها) أن يكون عيسى وداود علما أن محمدا نبي مبعوث ولعنا من يكفر به عن الزجاج والأول أصح والمراد أن الله أيسهم من المغفرة مع الإقامة على الكفر لدعاء الأنبياء عليهم بالعقوبة ودعوتهم مستجابة وإنما ذكر اللعن على لسانهما إزالة للإبهام بأن لهم منزلة بولادة الأنبياء تنجيهم من العقوبة ﴿ذلك﴾ إشارة إلى اللعن المتقدم ذكره ﴿بما عصوا وكانوا يعتدون﴾ أي بمعصيتهم واعتدائهم ثم بين تعالى حالهم فقال ﴿كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه﴾ أي لم يكن ينهى بعضهم بعضا ولا ينتهون أي لا يكفون عما نهوا عنه قال ابن عباس كان بنو إسرائيل ثلاث فرق فرقة اعتدوا في السبت وفرقة نهوهم ولكن لم يدعوا مجالستهم ولا مؤاكلتهم وفرقة لما رأوهم يعتدون ارتحلوا عنهم وبقيت الفرقتان المعتدية والناهية المخالطة فلعنوا جميعا ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرأ أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم وإنما سمي القبيح منكرا لأنه ينكره العقل من حيث أن العقل يقبل الحسن ويعترف به ولا يأباه وينكر القبيح ويأباه وما ينكره العقل فهو الباطل وما يقر به فهو الحق وقيل إن المراد بالمنكر هنا صيدهم السمك يوم السبت وقيل هو أخذهم الرشى في الأحكام وقيل أكلهم الربا وأثمان الشحوم ثم أقسم سبحانه فقال ﴿لبئس ما كانوا يفعلون﴾ أي بئس شيئا فعلهم ﴿ترى كثيرا منهم﴾ أي من اليهود ﴿يتولون الذين كفروا﴾ يريد كفار مكة عنى بذلك كعب بن الأشرف وأصحابه حين استجاشوا المشركين على رسول الله وذكرنا ذلك عند قوله ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يتولون الملوك الجبارين ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم وفي هذا توبيخ لأولئك القوم وتنبيه على سوء فعالهم وخبث عقائدهم ﴿لبئس ما قدمت لهم أنفسهم﴾ أي بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة ﴿أن سخط الله عليهم﴾ أي سخط الله عليهم ﴿وفي العذاب هم خالدون﴾ وذهب ابن عباس ومجاهد والحسن إلى أن هذه الآية في المنافقين من اليهود والكناية في قوله ﴿منهم﴾ عائدة إليهم ويؤكده ما بعد هذه الآية.