الآيـة 204-205

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴿204﴾ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ﴿205﴾

اللغة:

الإعجاب هو سرور المعجب بما يستحسن ومنه العجب بالنفس وهو سرور المعجب من الشيء استحسانا له وذلك إذا تعجب من شدة حسنه تقول عجب وتعجب وعجبه غيره وأعجبه واستعجب الرجل إذا اشتد تعجبه قال الأزهري العجب كل شيء غير مألوف والألد الشديد الخصومة تقول لد يلد لدودا ولده يلده إذا غلبه في الخصومة ولد الدواء في حلقه إذا أوجره في أحد شقي فمه واللديدان جانبا الوادي ولديدا كل شيء جانباه والتلدد التلفت عن تحير والخصام قيل أنه جمع الخصم عن الزجاج وفعل إذا كان صفة فإنه يجمع على فعال نحو صعب وصعاب وإذا كان اسما فإنه يجمع في القلة على أفعل وفي الكثرة على فعال كفرخ وفراخ وقيل الخصام مصدر كالمخاصمة عن الخليل والتولي هو الانحراف والزوال عن الشيء إلى خلاف جهته وقوله ﴿سعى﴾ قد يكون بمعنى عمل وقد يكون بمعنى أسرع قال الأعشى:

وسعى لكندة سعي غير مواكل

قيس فضر عدوها وبنى لها أي عمل لكندة والإفساد هو عمل الضرر بغير استحقاق ولا وجه من وجوه المصلحة والإهلاك العمل الذي ينفي الانتفاع والحرث الزرع والنسل العقب من الولد وقال الضحاك الحرث كل نبات والنسل كل ذات روح ويقال نسل ينسل نسولا إذا خرج فسقط ومنه نسل وبر البعير أو ريش الطائر والناس نسل آدم لخروجهم من ظهره وأصل باب النسول الخروج.

الإعراب:

ليفسد نصب بإضمار أن ويجوز إظهارها بأن يقال لأن يفسد فيها ولا يجوز إظهار أن في قوله ليذر من ﴿وما كان الله ليذر المؤمنين﴾ والفرق بينهما أن اللام في ليفسد على أصل الإضافة في الكلام واللام في ليذر لتأكيد النفي كما دخلت الباء في ليس زيد بقائم.

النزول:

قال ابن عباس نزلت الآيات الثلاثة في المرائي لأنه يظهر خلاف ما يبطن وهو المروي عن الصادق (عليه السلام) إلا أنه عين المعني به وقال الحسن نزلت في المنافقين وقال السدي نزلت في الأخنس بن شريق وكان يظهر الجميل بالنبي والمحبة له والرغبة في دينه ويبطن خلاف ذلك.

المعنى:

ثم بين سبحانه حال المنافقين بعد ذكره أحوال المؤمنين والكافرين فقال ﴿ومن الناس من يعجبك قوله﴾ أي تستحسن كلامه يا محمد ويعظم موقعه من قبلك ﴿في الحياة الدنيا﴾ أي يقول آمنت بك وأنا صاحب لك ونحو ذلك ﴿ويشهد الله على ما في قلبه﴾ أي يحلف بالله ويشهده على أنه مضمر ما يقول فيقول اللهم اشهد علي به وضميره على خلافه ﴿وهو ألد الخصام﴾ أي وهو أشد المخاصمين خصومة ومن قال أن الخصام مصدر فمعناه وهو شديد الخصومة عند المخاصمة جدل مبطل ﴿وإذا تولى﴾ أي أعرض عن الحسن وقيل معناه ملك الأمر وصار واليا عن الضحاك ومعناه إذا ولي سلطانا جار وقيل ولى عن قوله الذي أعطاه عن ابن جريج ﴿سعى في الأرض﴾ أي أسرع في المشي من عندك وقيل عمل في الأرض ﴿ليفسد فيها﴾ قيل ليقطع الرحم ويسفك الدماء عن ابن جريج وقيل ليظهر الفساد ويعمل المعاصي ﴿ويهلك الحرث والنسل﴾ أي النبات والأولاد وذكر الأزهري أن الحرث النساء والنسل الأولاد لقوله ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ وروي عن الصادق (عليه السلام) إن الحرث في هذا الموضع الدين والنسل الناس ﴿والله لا يحب الفساد﴾ أي العمل بالفساد وقيل أهل الفساد وفيه دلالة على بطلان قول المجبرة إن الله تعالى يريد القبائح لأنه تعالى نفى عن نفسه محبة الفساد والمحبة هي الإرادة لأن كل ما أحب الله أن يكون فقد أراد أن يكون وما لا يحب أن يكون لا يريد أن يكون.