الآيات 55-56

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿55﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴿56﴾

اللغة:

الولي هو الذي يلي النصرة والمعونة والولي هو الذي يلي تدبير الأمر يقال فلان ولي المرأة إذا كان يملك تدبير نكاحها وولي الدم من كان إليه المطالبة بالقود والسلطان ولي أمر الرعية ويقال لمن يرشحه لخلافته عليهم بعده ولي عهد المسلمين قال الكميت يمدح عليا:

ونعم ولي الأمر بعد وليه

ومنتجع التقوى ونعم المؤدب ويروي الفتوى وإنما أراد ولي الأمر والقائم بتدبيره قال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله أصل الولي الذي هو أولى أي أحق ومثله المولى والركوع هو التطأطؤ المخصوص قال الخليل كل شيء ينكب لوجهه فتمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد أن يطأطىء رأسه فهو راكع وأنشد لبيد:

أخبر أخبار القرون التي مضت

أدب كأني كلما قمت راكع وقال ابن دريد الراكع الذي يكبو على وجهه ومنه الركوع في الصلاة قال الشاعر:

وأفلت حاجب فوق العوالي

على شقا تركع في الظراب

وقد يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل التشبيه والمجاز لما يستعمله من التطامن والتطأطؤ وعلى ذلك قول الشاعر:

لا تهين الفقير علك أن

تركع يوما والدهر قد رفعه

والحزب الطائفة والجماعة وأصله من قولهم حزبه الأمر يحزبه إذا نابه وكل قوم تشابهت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وتحزب القوم إذا اجتمعوا وحمار حزابية مجتمع الخلق غليظ.

الإعراب:

لفظة إنما مخصصة لما أثبت بعده نافية لما لم يثبت يقول القائل لغيره إنما لك عندي درهم فيكون مثل أن يقول أنه ليس لك عندي إلا درهم وقالوا إنما السخاء حاتم يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير إنما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف والمفهوم من قول القائل إنما أكلت رغيفا وإنما لقيت اليوم زيدا نفي أكل أكثر من رغيف

ونفي لقاء غير زيد وقال الأعشى:

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزة للكاثر

أراد نفي العزة عمن ليس بكاثر وقوله ﴿وهم راكعون﴾ جملة في موضع النصب على الحال من يؤتون أي يؤتون الزكاة راكعين كما يقال الجواد من يجود بماله وهو ضاحك وموضع من رفع بالابتداء وفي يتول ضمير يعود إلى من وهو مجزوم بالشرط وموضع الفاء مع ما بعده جزم لما في ذلك من معنى الجزاء لأن تقديره فهو غالب وفي من معنى إن فلهذا جزم الفعل المضارع ومعنى هذا الحرف الذي في من مع الشرط والجزاء في موضع رفع بكونه خبر المبتدأ.

النزول:

حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني القائني قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني (ره) قال حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه الصيدلاني قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الشعراني قال حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين البياشاني قال حدثني المظفر بن الحسين الأنصاري قال حدثنا السدي بن علي الوراق قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ أقبل رجل متعمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله ألا قال الرجل قال رسول الله فقال ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بهاتين وإلا فصمتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمني إليه وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إن أخي موسى سألك فقال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرآنا ناطقا ﴿سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما﴾ اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري قال أبو ذر فو الله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله فقال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ قال اقرأ ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا﴾ الآية وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والرماني والطبري أنها نزلت في علي حين تصدق بخاتمه وهو راكع وهو قول مجاهد والسدي والمروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) وجميع علماء أهل البيت وقال الكلبي نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم فنزلت الآية وفي رواية عطا قال عبد الله بن سلام يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمه وهو راكع فنحن نتولاه وقد رواه لنا السيد أبو الحمد عن أبي القاسم الحسكاني بالإسناد المتصل المرفوع إلى أبي صالح عن ابن عباس قال أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿إنما وليكم الله ورسوله﴾ الآية ثم أن النبي خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال النبي هل أعطاك أحد شيئا فقال نعم خاتم من فضة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أعطاكه قال ذلك القائم وأومأ بيده إلى علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أي حال أعطاك قال أعطاني وهو راكع فكبر النبي ثم قرأ ﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾ فأنشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وثبتها مثنى كتاب الشرائع وفي حديث إبراهيم بن الحكم بن ظهير أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله مع رهط من قومه يشكون إلى رسول الله ما لقوا من قومهم فبينا هم يشكون إذ نزلت هذه الآية وأذن بلال فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد وإذا مسكين يسأل فقال (عليه السلام) ما ذا أعطيت قال خاتم من فضة قال من أعطاكه قال ذلك القائم فإذا هو علي قال على أي حال أعطاكه قال أعطاني وهو راكع فكبر رسول الله وقال ﴿ومن يتول الله ورسوله﴾ الآية.

المعنى:

ثم بين تعالى من له الولاية على الخلق والقيام بأمورهم وتجب طاعته عليهم فقال ﴿إنما وليكم الله ورسوله﴾ أي الذي يتولى مصالحكم ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى ورسوله يفعله بأمر الله ﴿والذين آمنوا﴾ ثم وصف الذين آمنوا فقال ﴿الذين يقيمون الصلاة﴾ بشرائطها ﴿ويؤتون﴾ أي ويعطون ﴿الزكاة وهم راكعون﴾ أي في حال الركوع وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة ﴿وليكم﴾ تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم وثبت أن المراد ﴿بالذين آمنوا﴾ علي ثبت النص عليه بالإمامة ووضح والذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك وقد ذكرنا قول أهل اللغة فيه قبل فلا وجه لإعادته ثم الذي يدل على أنها في الآية تفيد ذلك دون غيره أن لفظة إنما على ما تقدم ذكره تقتضي التخصيص ونفي الحكم عمن عدا المذكور كما يقولون إنما الفصاحة للجاهلية يعنون نفي الفصاحة عن غيرهم وإذا تقرر هذا لم يجز حمل لفظة الولي على الموالاة في الدين والمحبة لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر والمؤمنون كلهم مشتركون في هذا المعنى كما قال سبحانه ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾ وإذا لم يجز حمله على ذلك لم يبق إلا الوجه الآخر وهو التحقق بالأمور وما يقتضي فرض الطاعة على الجمهور لأنه لا محتمل للفظه إلا الوجهان فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر والذي يدل على أن المعني ب ﴿الذين آمنوا﴾ هو علي الرواية الواردة من طريق العامة والخاصة بنزول الآية فيه لما تصدق بخاتمه في حال الركوع وقد تقدم ذكرها وأيضا فإن كل من قال أن المراد بلفظة ولي ما يرجع إلى فرض الطاعة والإمامة ذهب إلى أنه هو المقصود بالآية والمتفرد بمعناها ولا أحد من الأمة يذهب إلى أن هذه اللفظة تقتضي ما ذكرناه ويذهب إلى أن المعني بها سواه وليس لأحد أن يقول أن لفظ ﴿الذين آمنوا﴾ لفظ جمع فلا يجوز أن يتوجه إليه على الانفراد وذلك أن أهل اللغة قد يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه وليس لهم أن يقولوا أن المراد بقوله ﴿وهم راكعون﴾ أن هذه شيمتهم وعادتهم ولا يكون حالا لإيتاء الزكاة وذلك لأن قوله ﴿يقيمون الصلاة﴾ قد دخل فيه الركوع فلو لم يحمل قوله ﴿وهم راكعون﴾ على أنه حال من يؤتون الزكاة وحملناه على من صفتهم الركوع كان ذلك كالتكرار غير المفيد والتأويل المفيد أولى من البعيد الذي لا يفيد ووجه آخر في الدلالة على أن الولاية في الآية مختصة أنه سبحانه قال ﴿إنما وليكم الله﴾ فخاطب جميع المؤمنين ودخل في الخطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وغيره ثم قال ﴿ورسوله﴾ فأخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته ثم قال ﴿والذين آمنوا﴾ فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال واستيفاء الكلام في هذا الباب يطول به الكتاب فمن أراده فليطلبه من مظانه قال الواحدي واستدل أهل العلم بهذه الآية على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة وإن دفع الزكاة إلى السائل في الصلاة جائز مع نية الزكاة ﴿ومن يتول الله﴾ بالقيام بطاعته ﴿ورسوله﴾ باتباع أمره ﴿والذين آمنوا﴾ بالموالاة والنصرة ﴿فإن حزب الله﴾ أي جند الله عن الحسن وقيل أنصار الله ﴿هم الغالبون﴾ الظاهرون على أعدائهم الظافرون بهم.