الآية- 44

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴿44﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة وأبو جعفر وإسماعيل عن نافع واخشوني بياء في الوصل ويعقوب يقف بالياء أيضا والباقون ﴿واخشون﴾ بغير ياء في الوقف والوصل.

الحجة:

قال أبو علي الإثبات حسن لأن الفواصل في أنها أواخر الآي مثل القوافي في أنها أواخر الأبيات فمما حذف منه الياء في القوافي قول الأعشى:

فهل يمنعني ارتيادي البلاد

من حذر الموت أن يأتين

ومن شانىء كاسف وجهه

إذا ما انتسبت له أنكرن.

اللغة:

الربانيون فسرناه فيما مضى وهم العلماء البصراء بسياسة الأمور وتدبير الناس والأحبار جمع حبر وهو العالم مشتق من التحبير وهو التحسين فالعالم يحسن الحسن ويقبح القبيح قال الفراء أكثر ما سمعت فيه حبر بالكسر.

الإعراب:

الباء في قوله ﴿بما استحفظوا﴾ يتعلق بالأحبار فكأنه قال العلماء بما استحفظوا وقال الزجاج تقديره يحكمون للتائبين من الكفر بما استحفظوا.

المعنى:

لما بين الله تعالى أن اليهود تولوا عن أحكام التوراة وصف التوراة وما أنزل فيها فقال ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى﴾ أي بيان للحق ودلالة على الأحكام ﴿ونور﴾ أي ضياء لكل ما تشابه عليهم وجلاء لما أظلم عليهم عن ابن عباس وقيل معناه ﴿فيها هدى﴾ بيان للحكم الذي جاءوا يستفتون فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿ونور﴾ بيان أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حق عن الزجاج ﴿يحكم بها النبيون الذين أسلموا﴾ معناه يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا بحكم الله وأقروا به ونبينا داخل فيهم عن الحسن وقتادة وعكرمة والسدي والزهري وقال أكثرهم هو المعني بذلك لما حكم في رجم المحصن وهذا لا يدل على أنه كان متعبدا بشرع موسى لأن الله هو الذي أوجب ذلك بوحي أنزله عليه لا بالرجوع إلى التوراة فصار ذلك شرعا له وإن وافق ما في التوراة ونبه بذلك اليهود على صحة نبوته من حيث أخبر عما في التوراة من غامض العلم الذي قد التبس على كثير منهم وقد عرفوا جميعا أنه لم يقرأ كتابهم ولم يرجع في ذلك إلى علمائهم فكان من دلائل صدقه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل يريد بالنبيين الأنبياء الذين كانوا بعد موسى وذلك أنه كان في بني إسرائيل ألوف من الأنبياء بعثهم الله لإقامة التوراة يحدون حدودها ويحلون حلالها ويحرمون حرامها عن ابن عباس فمعناه يقضي بها النبيون الذين أسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى وصفهم بالإسلام لأن الإسلام دين الله فكل نبي مسلم وليس كل مسلم نبيا وقوله ﴿للذين هادوا﴾ أي تابوا عن الكفر عن ابن عباس وقيل لليهود واللام فيه يتعلق بيحكم أي يحكمون بالتوراة لهم وفيما بينهم قال الزجاج وجائز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير وتقديره إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا ﴿والربانيون﴾ الذين علت درجاتهم في العلم وقيل الذين يعملون بما يعلمون ﴿والأحبار﴾ العلماء الخيار عن الزجاج ﴿بما استحفظوا﴾ به أي بما استودعوا ﴿من كتاب الله﴾ عن ابن عباس وقيل بما أمروا بحفظ ذلك والقيام به وترك تضييعه عن الجبائي ﴿وكانوا عليه شهداء﴾ أي وكانوا على حكم النبي في الرجم أنه ثابت في التوراة شهداء عن ابن عباس وقيل كانوا شهداء على الكتاب أنه من عند الله وحده لا شريك له عن عطاء ﴿فلا تخشوا الناس واخشون﴾ أي لا تخشوا يا علماء اليهود الناس في إظهار صفة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأمر الرجم واخشوني في كتمان ذلك عن السدي والكلبي وقيل الخطاب للنبي وأمته أي لا تخشوهم في إقامة الحدود وإمضائها على أهلها كائنا من كان واخشوني في ترك أمري فإن النفع والضر بيدي عن الحسن ﴿ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا﴾ أي لا تأخذوا بترك الحكم الذي أنزلته على موسى أيها الأحبار عوضا خسيسا وهو الثمن القليل نهاهم الله تعالى بهذا عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله وتغييرهم حكمه ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله﴾ معناه من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وأخفاه وحكم بغيره من رجم المحصن والقود ﴿فأولئك هم الكافرون﴾ اختلف في ذلك فمنهم من أجرى ظاهره على العموم عن ابن مسعود والحسن وإبراهيم ومنهم من خصه بالجاحد لحكم الله عن ابن عباس ومنهم من قال هم اليهود خاصة عن الجبائي فإنه قال لا حجة للخوارج فيها من حيث هي خاصة في اليهود واختار علي بن عيسى القول الأول ولذلك يقول من حكم بغير ما أنزل الله مستحلا لذلك فهو كافر وروى البراء بن عازب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن قوله ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ وبعده ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ وبعده ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ كل ذلك في الكفار خاصة أورده مسلم في الصحيح وبه قال ابن مسعود وأبو صالح والضحاك وعكرمة وقتادة.