الآيات 25-26

قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿25﴾ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴿26﴾

اللغة:

أصل التيه التحير الذي لا يهتدى لأجله للخروج عن الطريق إلى الغرض المقصود يقال تاه يتيه تيها وتيوها إذا تحير وتيهته وتوهته والياء أكثر والتيهاء من الأرض وهي التي لا يهتدى فيها وأرض تيهاء والأسى الحزن يقال أسي يأسى أسا إذا حزن قال امرؤ القيس:

وقوفا بها صحبي علي مطيهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمل.

الإعراب:

أخي يجوز أن يكون في موضع رفع ويجوز أن يكون في موضع نصب ورفعه من وجهين (أحدهما) أن يكون عطفا على موضع إني ومثله أن الله بريء من المشركين ورسوله (والآخر) أن يكون معطوفا على ما في أملك أي لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا ونصبه أيضا من وجهين (أحدهما) أن يكون عطفا على الياء في إني أي إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا (والآخر) أن يكون عطفا على نفسي أي لا أملك إلا نفسي ولا أملك إلا أخي وأربعين نصب على الظرف والعامل فيه قوله ﴿يتيهون﴾ وقيل هو منصوب بقوله ﴿محرمة﴾ قال الزجاج هذا خطأ لأنه جاء في التفسير أنها محرمة عليهم أبدا.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه دعاء موسى على قومه عند مخالفتهم إياه فقال تعالى ﴿قال﴾ أي قال موسى (عليه السلام) إذ غضب على قومه ﴿رب إني لا أملك إلا نفسي﴾ أي لا أملك إلا تصريف نفسي في طاعتك لأنها التي تجيبني إذا دعوت ﴿وأخي﴾ أي وأخي كذلك لا يملك إلا نفسه أو يكون معناه ولا أملك أيضا إلا أخي لأنه يجيبني إذا دعوت ﴿فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين﴾ أي فافصل بيننا وبينهم بحكمك وسماهم فساقا وإن كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم لخروجهم من الإيمان إلى الكفر والفسق والخروج من الطاعة إلى المعصية والكفر من أعظم المعاصي قال الله تعالى إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وقيل في سؤال موسى الفرق بينه وبينهم قولان (أحدهما) أنه سأل تعالى أن يحكم ويقضي بما يدل على بعدهم عن الحق والصواب فيما ارتكبوا من العصيان ولذلك ألقوا في التيه عن ابن عباس والضحاك (والآخر) أنه سأله أن يفرق بينه وبينهم في الآخرة بأن يكون هؤلاء في النار ويكون هو في الجنة ولو دعا عليهم بالهلاك لأهلكوا عن الجبائي ﴿قال﴾ أي قال الله سبحانه لموسى (عليه السلام) ﴿فإنها محرمة عليهم﴾ أي إن الأرض المقدسة حرمت عليهم وفي كيفية التحريم قولان (أحدهما) أنه تحريم منع كقول امرىء القيس :

جالت لتصرعني فقلت لها اقصري

إني امرؤ صرعي عليك حرام

يعني دابته التي هو راكبها ويريد بذلك أني فارس لا تملكين أن تصرعيني وقيل يجوز أن يكون تحريم تعبد عن أبي علي الجبائي والأول أظهر وقال البلخي يجوز أن يكونوا أمروا بأن يطوفوا فيه ﴿أربعين سنة يتيهون في الأرض﴾ يعني يتحيرون في المسافة التي بينهم وبينها لا يهتدون إلى الخروج منها وكان مقداره ستة فراسخ عن الربيع كانوا يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا عن الحسن ومجاهد وقال أكثر المفسرين إن موسى وهارون كانا معهم في التيه وقيل أيضا إنهما لم يكونا في التيه لأن التيه عذاب وعذبوا عن كل يوم عبدوا فيه العجل سنة والأنبياء لا يعذبون قال الزجاج إن كانا في التيه فجائز أن يكون الله تعالى سهل عليهما ذلك كما سهل على إبراهيم النار فجعلها عليه بردا وسلاما وشأنها الإحراق ومات موسى (عليه السلام) في التيه وفتح المدينة يوشع وصي موسى بعده وكان يوشع ابن أخت موسى ووصيه والنبي في قومه بعده عن ابن عباس وقيل لم يمت في التيه عن الحسن ومجاهد قالا وفتح المدينة موسى ومتى سئل فقيل كيف يجوز على عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أن يكون ذلك بأن تحول الأرض التي هم عليها إذا ناموا فيردوا إلى المكان الذي ابتدأوا منه عن أبي علي (والآخر) أن يكون ذلك بالأسباب المانعة من الخروج عنها إما بأن تمحى العلامات التي يستدل بها أو بأن يلقى شبه بعضها على بعض ويكون ذلك معجزا خارقا للعادة وقال قتادة لم يدخل بلد الجبارين أحد من القوم إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفنا بعد موت موسى بشهرين وإنما دخلها أولادهم معهما ﴿فلا تأس على القوم الفاسقين﴾ خطاب لموسى (عليه السلام) أمره الله تعالى أن لا يحزن على إهلاكهم لفسقهم وقال الزجاج هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).