الآيات 20-21

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ ﴿20﴾ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿21﴾

اللغة:

أصل التقديس التطهير ومنه قيل للسطل الذي يتطهر به القدس ومنه تسبيح الله وتقديسه وهو تنزيهه عما لا يجوز عليه من الصاحبة والولد وفعل الظلم والكذب.

الإعراب:

﴿أنبياء﴾ لا ينصرف معرفة ولا نكرة لعلامة التأنيث ولزومها بخلاف علامة التأنيث في حمزة وقائمة فإنها لا تلزم فلذلك انصرف في النكرة وقوله ﴿خاسرين﴾ منصوب على الحال من الواو في ﴿فتنقلبوا﴾.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه صنع اليهود في المخالفة لنبيهم تسلية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومخالفتهم إياه فقال ﴿وإذ قال موسى لقومه﴾ أي واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم ﴿يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم﴾ وأياديه لديكم وآلاءه فيكم ﴿إذ جعل فيكم أنبياء﴾ يخبرونكم بانباء الغيب وتنصرون بهم على الأعداء ويبينون لكم الشرائع وقيل هم الأنبياء الذين كانوا بعد موسى مقيمين فيهم إلى زمن عيسى يبينون لهم أمر دينهم ﴿وجعلكم ملوكا﴾ بأن سخر لكم من غيركم خدما يخدمونكم عن قتادة وقيل إنما خاطبهم موسى بذلك لأنهم كانوا يملكون الدور والخدم ولهم نساء وأزواج وكل من ملك ذلك ولا يدخل عليه إلا بأمره فهو ملك كائنا من كان عن عبد الله بن عمر وابن العاص وزيد بن أسلم والحسن ويؤيد ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وقيل الملك هو الذي له ما يستغني به عن تكلف الأعمال وتحمل المشاق والتسكع في المعاش عن أبي علي الجبائي وقيل إنهم جعلوا ملوكا بالمن والسلوى والحجر والغمام عن ابن عباس ومجاهد وقيل لا يمتنع أن يكون الله سبحانه جعل لهم الملك والسلطان ووسع عليهم التوسعة التي يكون بها الإنسان ملكا عن أبي القاسم البلخي ﴿وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين﴾ أي أعطاكم ما لم يؤت أحدا من عالمي زمانهم عن الحسن والبلخي وقيل معناه أعطاكم من اجتماع هذه الأمور وكثرة الأنبياء (عليهم السلام) والآيات التي جاءتهم وإنزال المن والسلوى عليهم عن الزجاج والجبائي واختلفوا في المخاطب بقوله ﴿وآتاكم﴾ فقيل هم قوم موسى (عليه السلام) عن ابن عباس ومجاهد وغيره وهو الأظهر وقيل هم أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن سعيد بن جبير وأبي مالك ثم كلفهم سبحانه دخول الأرض المقدسة بعد ذكر النعم فقال ﴿يا قوم﴾ حكاية عن خطاب موسى (عليه السلام) لقومه ﴿ادخلوا الأرض المقدسة﴾ وهي بيت المقدس عن ابن عباس والسدي وابن زيد وقيل هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن عن الزجاج والفراء وقيل هي الشام عن قتادة وقيل هي أرض الطور وما حوله عن مجاهد والمقدسة المطهرة طهرت من الشرك وجعلت مكانا وقرارا للأنبياء والمؤمنين ﴿التي كتب الله لكم﴾ أي كتب في اللوح المحفوظ أنها لكم وقيل معناه وهب الله لكم عن ابن عباس وقيل معناه أمركم الله بدخولها عن قتادة والسدي فإن اعترض معترض فقال كيف كتب الله لهم مع قوله فإنها محرمة عليهم فجوابه أنها كانت هبة من الله لهم ثم حرمها عليهم عن ابن إسحاق وقيل إن المراد به الخصوص وإن كان الكلام على العموم فصار كأنه مكتوب لبعضهم وحرام على البعض والذين كتب الله لهم دخولها هم الذين كانوا مع يوشع بن نون بعد موت موسى (عليه السلام) بشهرين ﴿ولا ترتدوا على أدباركم﴾ أي لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها عن أكثر المفسرين وقيل لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته عن الجبائي ﴿فتنقلبوا خاسرين﴾ الثواب في الآخرة وإنما قال ذلك لأنهم كانوا أمروا بدخولها كما أمروا بالصلاة وغيرها عن قتادة والسدي وقيل إنهم لم يؤمروا بذلك فيكون المراد فتنقلبوا خاسرين حظكم في دخولها كما يقال خسر في البيع فلان.

القصة:

قال المفسرون لما عبر موسى وبنو إسرائيل البحر وهلك فرعون أمرهم الله سبحانه بدخول الأرض المقدسة فلما نزلوا على نهر الأردن خافوا من الدخول فبعث موسى من كل سبط رجلا وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله ﴿وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا﴾ فعاينوا من عظم شأنهم وقوتهم شيئا عجيبا فرجعوا إلى بني إسرائيل فأخبروا موسى (عليه السلام) بذلك فأمرهم أن يكتموا ذلك فوفى اثنان منهم يوشع بن نون من سبط بن يامين وقيل أنه كان من سبط يوسف وكالب بن يوفنا من سبط يهوذا وعصى العشرة وأخبروا بذلك وقيل كتم الخمسة منهم وأظهر الباقون وفشا الخبر في الناس فقالوا إن دخلنا عليهم تكون نساؤنا وأهالينا غنيمة لهم وهموا بالانصراف إلى مصر وهموا بيوشع وكالب وأرادوا أن يرجموهما بالحجارة فاغتاظ لذلك موسى وقال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فأوحى الله إليه أنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة وإنما يخرج منهم من لم يعص الله في ذلك فبقوا في التيه أربعين سنة في ستة عشر فرسخا وقيل تسعة فراسخ وقيل ستة وهم ستمائة ألف مقاتل لا تتخرق ثيابهم وتثبت معهم وينزل عليهم المن والسلوى ومات النقباء غير يوشع بن نون وكالب ومات أكثرهم ونشأ ذراريهم فخرجوا إلى حرب أريحا وفتحوها واختلفوا فيمن فتحها فقيل فتحها موسى ويوشع على مقدمته وقيل فتحها يوشع بعد موت موسى (عليه السلام) وكان قد توفي موسى وبعثه الله نبيا وروي أنهم كانوا في المحاربة إذ غابت الشمس فدعا يوشع فرد الله تعالى عليهم الشمس حتى فتحوا أريحا وقيل كانت وفاة موسى وهارون (عليهما السلام) في التيه وتوفي هارون قبل موسى بسنة وكان عمر موسى (عليه السلام) مائة وعشرين سنة في ملك أفريدون ومنوجهر وكان عمر يوشع مائة وستة وعشرين سنة وبقي بعد وفاته مدبرا لأمر بني إسرائيل سبعا وعشرين سنة.