الآية- 5

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿5﴾

المعنى:

ثم بين سبحانه في هذه الآية ما يحل من الأطعمة والأنكحة إتماما لما تقدم فقال ﴿اليوم أحل لكم الطيبات﴾ وقد مر معناه وهذا يقتضي تحليل كل مستطاب من الأطعمة ألا ما قام الدليل على تحريمه ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾ اختلف في الطعام المذكور في الآية فقيل المراد به ذبائح أهل الكتاب عن أكثر المفسرين وأكثر الفقهاء وبه قال جماعة من أصحابنا ثم اختلفوا فمنهم من قال أراد به ذباحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والإنجيل ومن دخل في ملتهم ودان بدينهم عن ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن المسيب والشعبي وعطا وقتادة وأجازوا ذبائح نصارى بني تغلب ومنهم من قال عنى به من أنزلت التوراة والإنجيل عليهم أو كان من أبنائهم فأما من كان دخيلا فيهم من سائر الأمم ودان بدينهم فلا تحل ذبائحهم حكى ذلك الربيع عن الشافعي وحرم ذبائح بني تغلب من النصارى ورووا ذلك عن علي (عليه السلام) وسعيد بن جبير وقيل المراد بطعام الذين أوتوا الكتاب ذبائحهم وغيرها من الأطعمة عن أبي الدرداء وعن ابن عباس وإبراهيم وقتادة والسدي والضحاك ومجاهد وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وغيرهم وقيل أنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وبه قال جماعة من الزيدية فأما ذبائحهم فلا تحل ﴿وطعامكم حل لهم﴾ معناه وطعامكم يحل لكم أن تطعموهم ﴿والمحصنات من المؤمنات﴾ معناه وأحل لكم العقد على المحصنات أي العفائف من المؤمنات عن الحسن والشعبي وإبراهيم وقيل أراد الحرائر عن مجاهد واختاره أبو علي فعلى هذا القول لا تدخل الإماء في الإباحة مع القدرة على طول الحرة ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ وهم اليهود والنصارى واختلف في معناه فقيل هن العفائف حرائر كن أو إماء حربيات كن أو ذميات عن مجاهد والحسن والشعبي وغيرهم وقيل هن الحرائر ذميات كن أو حربيات وقال أصحابنا لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابية لقوله تعالى ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ ولقوله ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ وأولوا هذه الآية بأن المراد بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب اللاتي أسلمن منهن والمراد بالمحصنات من المؤمنات اللاتي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام وذلك أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فبين سبحانه أنه لا حرج في ذلك فلهذا أفردهن بالذكر حكى ذلك أبو القاسم البلخي قالوا ويجوز أن يكون مخصوصا أيضا بنكاح المتعة وملك اليمين فإن عندنا يجوز وطؤهن بكلا الوجهين على أنه قد روى أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه منسوخ بقوله ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ وبقوله ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ وقوله ﴿إذا آتيتموهن أجورهن﴾ أي مهورهن وهو عوض الاستمتاع بهن عن ابن عباس وغيره ﴿محصنين غير مسافحين﴾ يعني أعفاء غير زانين بكل فاجرة وهو منصوب على الحال ﴿ولا متخذي أخدان﴾ أي ولا متفردين ببغية واحدة خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجر بها وقد مر معنى الإحصان والسفاح والأخدان في سورة النساء ﴿ومن يكفر بالإيمان﴾ أي ومن يجحد ما أمر الله بالإقرار به والتصديق له من توحيد الله وعدله ونبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فقد حبط عمله﴾ الذي عمله واعتقده قربة إلى الله تعالى وإنما تحبط الأعمال بأن لا يستحق عليها ثواب ﴿وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ أي الهالكين وقيل المعنى بقوله ﴿ومن يكفر بالإيمان﴾ أهل الكتاب ويكون معناه ومن يمتنع عن الإيمان ولم يؤمن وفي قوله ﴿فقد حبط عمله﴾ هنا دلالة على أن حبوط الأعمال لا يترتب على ثبوت الثواب فإن الكافر لا يكون له عمل قد ثبت عليه ثواب وإنما يكون له عمل في الظاهر لو لا كفره لكان يستحق الثواب عليه فعبر سبحانه عن هذا العمل بأنه حبط فهو حقيقة معناه.